فيكون الكل في رحمته * بامتنان ووجوب قد كتب يطمع الشيطان في رحمته * وكذا حكم عبيد يكتسب قال الله تعالى ألا لله الدين الخالص ألا إنه العهد الذي خلص لنفسه في وفاء العبد به ما استخلصه العبد من الشيطان ولا من الباعث عليه من خوف ولا رغبة ولا جنة ولا نار فإنه قد يكون الباعث للمكلف مثل هذه الأمور في الوفاء بعهد الله فيكون العبد من المخلصين ويكون الدين بهذا الحكم مستخلصا من حد من يعطي المشاركة فيه فيميل العبد به عن الشريك ولهذا قال فيه حنفاء لله أي مائلين به إلى جانب الحق الذي شرعه وأخذه على المكلفين من جانب الباطل إذ قد سماهم الحق مؤمنين في كتابه فقال في طائفة إنهم آمنوا بالباطل وكفروا بالله فكساهم حلة الايمان فما الايمان خصوص بالسعداء ولا الكفر خصوص بالأشقياء فوقع الاشتراك وتميزه قرائن الأحوال فلم يبق يعرف الايمان من الكفر ولا الايمان من الايمان ولا الكفر من الكفر إلا بلابسه فالعهد الخالص هو الذي لما أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ثم ولد كل بني آدم على الفطرة وهو قوله ص كل مولود يولد على الفطرة وهو الميثاق الخالص لنفسه الذي ما ملكه أحد غصبا فاستخلص منه بل لم يزل خالصا لنفسه في نفس الأمر طاهرا مطهرا ولكن هنا نكتة لا يمكن إظهارها كما كان الحق منزها لنفسه ما هو منزه لتنزيه عباده ولهذا قال من قال من العارفين سبحاني فإذا ولد المولود ونشأ محفوظا قبل التكليف كسهل بن عبد الله وأبي يزيد البسطامي ومن اعتنى الله به من أمثالهما ممن كان من الناس قبلهما وبعدهما وفي زمانهما ممن لم يصل إلينا خبره كما وصل إلينا خبر هذين السيدين ولم يرزأه في عهده هذا بشئ مما ذكرناه آنفا فبقي عهده على أصله خالصا وهو الدين الخالص لا المخلص فقام بالعبد من غير استخلاص فما هو من العباد الذين أمروا أن يعبد والله مخلصين إذ لا فعل لهم في الاستخلاص بل لم يعرفوا إلا هذا الدين الخالص من غير شوب خالطه حتى يستخلصوه منه فيكونون مخلصين هذا لم يذوقوا له طعما مثل ما ذاقه الغير ومن كان هذا حاله من الدين فهو صاحب العهد الخالص فلا يشقى فإنه لا يشقى إلا أهل المكابدة والمجاهدة في استخلاص الدين ممن أمرهم الله أن يستخلصوه منه وليس على الحقيقة إلا هوى أنفسهم وهؤلاء في المرتبة الثانية من السعادة والطبقة الأولى هم الذين يغبطهم الأنبياء والشهداء أصحاب المنابر يوم القيامة المجهولون في الدنيا فهم لا يشفعون ولا يستشفعون ولا يرون للشفاعة قدرا في جنب ما هم فيه من الحال الطاهر القدوس لا المقدس ومن هذا المقام قال أبو يزيد لو شفعني الله في جميع الخلائق يوم القيامة لم يكن ذلك عندي بعظيم لأنه ما شفعني إلا في لقمة طين يعني خلق آدم من طين ونحن منه كما قال من نفس واحدة خلقت تلك النفس من طين فانظر ما أعجب إشارة أبي يزيد وإياك أن يخطر لك في هذا الرجل احتقار منه للمقام المحمود الذي لمحمد ص يوم القيامة وأنه يفتح فيه أمر الشفاعة وهو مقام جليل واعلم أنه ما سمي مقاما محمودا لمجرد الشفاعة بل لما فيه من عواقب الثناء الإلهي الذي يثني رسول الله ص بها على ربه عز وجل مما لا يعلم بذلك الثناء الخاص اليوم فما حمد إلا من أجل الله لا من أجل الشفاعة ثم جاءت الشفاعة تبعا في هذا المقام فيقال له عند فراغه من الثناء سل تعطه واشفع تشفع فيشفع في الشافعين أن يشفعوا فيبيح الله الشفاعة للشافعين عند ذلك فيشفعون فلا يبقى ملك ولا رسول ولا مؤمن إلا ويشفع ممن هو من أهل الشفاعة وأهل العهد الخالص على منابرهم لا يحزنهم الفزع الأكبر على نفوسهم ولا على أحد لأنهم لم يكن لهم تبع في الدنيا وكل من كان له تبع في الدنيا فإنه وإن أمن على نفسه فإنه لا يأمن على من بقي وعلى تابعه لكونه لا يعلم هل قصر وفرط فيما أمره به أم لا فيحزنه الفزع الأكبر عليه تقول بعض النساء من العارفين لجماعة من رجال الله أرأيتم لو لم يخلق جنة ولا نارا أليس هو بأهل أن يعبد تشير هذه المرأة إلى الدين الخالص وهو هذا المقام وهي رابعة العدوية ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ويقول فيه أبو يزيد الأكبر لا صفة لي فلو استخلص عهده لكان مخلصا وإذا كان مخلصا كان ذا صفة فلم يصدق في قوله وهو عندنا صادق وهذه الطائفة هم الذين عمهم قوله تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهذا العهد الخالص فأمسكه الله عليهم فمنهم من قضى نحبه أي من وفي بعهده فإن النحب العهد ومنهم من ينتظر
(٥٧)