والألف واللام للعهد والتعريف وقال تعالى في حق الأشقياء والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فإذا جعلت الألف واللام في نصر المؤمنين للجنس فمن اتصف بالإيمان فهو منصور ومن هنا يظهر المؤمنون بالباطل في أوقات على الكافرين بالطاغوت فيجعلون ذلك الظهور نصرا لأن النصر عبارة عمن ظهر على خصمه فمن جعل الألف واللام للجنس جعل إيمان أهل الباطل بالباطل أقوى من إيمان أهل الحق بالحق فالمؤمن من لا يولي الدبر ويتقدم ويثبت حتى يظفر أو يقتل ولهذا ما انهزم نبي قط لقوة إيمانه بالحق وقد توعد الله المؤمن إذا ولى دبره في القتال لغير قتال أو انحياز إلى فئة تعضده فقال يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله فخاطب أهل الايمان وبقرائن الأحوال علمنا أنه تعالى أراد المؤمنين بالحق وأرسل الآية في اللفظ دون تقييد بمن وقع الايمان به لكن قرائن الأحوال تخصص وتعطي العلم بالمقصود من ذلك غير أن الحق ما أرسلها مطلقة لا ليقيم الحجة على الذين آمنوا بالباطل إذا هزمهم الكافرون بالطاغوت لما دخلهم من الخلل في إيمانهم بالباطل فهو عندنا ليس بنصر ذلك الظهور الذي للمؤمنين بالباطل على الكافرين بالطاغوت وإنما المؤمنون بالحق لما تراءى الجمعان كان في إيمانهم خلل فأثر فيه الجبن الطبيعي فزلزل أقدامهم فانهزموا في حال حجاب عن إيمانهم بالحق ولا شك أن الخصم إذا رأى خصمه انهزم أمامه وفر وأخلي له مكانه لا بد أن يظهر عليه ويتبعه فإن شئت سميت ذلك نصرا من الله لهم فما انتصروا على المؤمنين بالحق وإنما انتصروا على وجه الخلل الذي دخل في إيمانهم واستتر عنهم بالخوف الطبيعي فكانوا كفارا من ذلك الوجه فكان نصرهم نصر الكفار بعضهم على بعض وهم المؤمنون بالباطل لأن هؤلاء المؤمنين بالحق آمنوا بما خوفهم به الطبع من القتل وهو باطل فآمنوا بالباطل لخوفهم من الموت والشهيد ليس بميت فإنه حي يرزق فلما آمنوا به أنه موت آمنوا بالباطل فهزم أهل الباطل أهل الباطل وهذا يسمى ظهورا لا نصرا إلا إذا جعلت الألف واللام للجنس فتشمل كل مؤمن بأمر ما من غير تعيين فهذه حكمة تسمية الله أهل الباطل مؤمنين وأهل الحق كافرين فلا تغفل يا ولي عن هذه الدقيقة فإنها حقيقة وهي المؤثرة في أهل النار الذين هم أهلها في المال إلى الرحمة لأن المشرك آمن بوجود الحق لا بتوحيده ووجود الحق حق فهو بوجه ممن آمن بالحق فما تخلص له الايمان بالباطل إذ آمن بالشريك فتقسم إيمانه فلم يقو قوة إيمان المؤمن بالحق من حيث أحديته في ألوهته قال تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله ولم يقل بتوحيد الله إلا وهم مشركون لكنه جلي وخفي فالمؤمن بتوحيد الله مؤمن بوجود الله وما كل مؤمن بوجود الله يكون مؤمنا بتوحيد الله فينقص عن درجته في قوة الايمان فإن استناد الايمان من المؤمن بالباطل إلى عدم ولهذا يرجع عنه عند الكشف والمؤمن بتوحيد الحق يرجع إلى أمر وجودي يستند إليه فيعضده فلا يرجع عنه فالمؤمن بالباطل أعان على نفسه المؤمن بالحق من حيث الأحدية وهو قوله تعالى كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وقوله فلو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا فقد تبرءوا في موطن ما فيه تكليف بالبراءة أنها نافعة صاحبها والكافر لا مولى له ولهذا انهزم أمام خصمه فإنه استترت عنه حياة الشهيد في سبيل الله فآمن بالموت وهو الباطل وكفر بالحياة وهي الحق وفي هذا تذكرة لأولي الألباب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (انتهى النصف الأول من الجزء الرابع من الفتوحات المكية ويليه النصف الثاني أوله (الحميد حضرة الحمد)
(٢٨٤)