كلما قلت قد أتاني رسول * منه يبغي دون الأنام سؤالي تهت عجبا به وقلت أنيسي * أنت والله إن خطرت ببالي إني بعثت إلى المحبوب في السحر * بما أتيت به من صادق الخبر وقلت إن كنت تدري ما أفوه به * من شاهد الحب فلتنهض على أثري لما شهدتك يا من لا شبيه له * لا فرق عندي بين الستر والنظر فالكشف ينبئ عن أسرار موجده * بما يشاهده في الشمس والقمر إن البصائر أغنتني حقائقها * عما يشاهد رب الكشف بالبصر يدعى صاحبها عبد الباعث قال تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم وقال وإن الله يبعث من في القبور وقال وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال يوم يبعثهم الله جميعا فمن هذه الحضرة بعث الرسل وأنزل الكتب وحشر الناس بعد أن أنشرهم ثم بعث بهم من هذه الحضرة إلى منازلهم يعمرونها من جنة ونار كل بشاكلة عمله فيبعثهم ويبعث إليهم فالبعث لا ينقطع في الدنيا والآخرة والبرزخ غير أن الرسل عرفاء لا تمشي إلا بين الملوك لا بين الرعايا وإنما تخاطب الرؤساء والعرفاء فالإرسال من الله إنما أرسلهم من كونه ملكا إلى النفوس الناطقة من عباده لكونهم مدبرين مدائن هياكلهم ورعاياهم جوارحهم الظاهرة وقواهم الباطنة فما تجئ رسالة من الملك إلا بلسان من أرسل إليهم قال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيبعث الله رسله إلى هذه النفوس الناطقة وهي التي تنفذ في الجوارح ما تنفذ من طاعة ومخالفته ولها قبول الرسالة والإقبال على الرسول والتحفي به أو الإهانة وقد يكون الرد بحسب ما أعطاها الله من الاستعداد من توفيق أو خذلان فجعل النفوس ملوكا على أبدانها وأتاها ما لم يؤت أحدا من العالمين وهو طاعة رعاياها لها فالجوارح والقوي لا تعصى لها أمرا بوجه من الوجوه وسائر الملوك الذين رعاياهم غير متصلين بهم قد يعصون أوامر ملوكهم كما إن من هؤلاء الملوك قد يعصى ما أمره به الملك الحق سبحانه وتعالى على لسان رسوله إليهم وقد يطيع فتوجيه الرسل وبعث الله إليهم أثبت لهم كونهم ملوكا فلما أنزلهم منزلته في الملك علمنا أنه لولا ما ثم مناسبة تقتضيه ما كان هذا فإذ المناسبة في أصل الخلقة وهي قوله تعالى ونفخت فيه من روحي فهو ولاة وملكه وجعله خليفة عنه فمنهم من خرج عليه كفرعون وأمثاله ومنهم من لم يخرج عليه فما كانت الرسل إلا إلى ولاته ثم إن هؤلاء الملوك النواب وجهوا أيضا منهم إليه تعالى إرسالهم يطلبون منه ما يؤيدهم به في تدبير ما ولاهم عليه فصار الملك ملك الملك لهذا السبب فمنه إليهم ومنهم إليه فما وجه ولا بعث إرساله إلا إليه وما قبل الإرسال إلا منه فإنهم من روحه وجدوا ومن عين كونه كانوا وهنا أمور وأسرار أعني في خروجهم عليه كما يخرج الولد على والده والعبد على سيده إذا ملكه يسعى في هلاكه مع إحسانه إليه وبايع على قتله لينفرد هو بالملك وهذا واقع في رد الأفعال إليهم وليست إلا إلى الله تعالى وغاية الموفق منهم الاشتراك في الأمر وهو الشرك الخفي فشرع لهم سبحانه قول لا حول ولا قوة إلا بالله رحمة بهم وقوله وإياك نستعين وقنع منه بذلك من كونه حكيما ولما علم إن مثل هذا الشرك يقع منهم والدعوى أمرهم بالاستعانة بالله تقريرا لدعواهم حتى يكون ذلك عن أمره فأمثالنا يقول مثل هذا كله تعبدا ويثابر عليه بخلاف من لا يعلم وما قرر الحق لعباده هذا إلا غيرة فيتخذون ذلك عبادة ويقولون إذا رجعوا إليه وكان الملك لله الواحد القهار في موطن الجمع وسألوا عن مثل هذا الشرك الخفي يقولون أنت أمرتنا بالاستعانة بك فأنت قررت لنا أن لنا قوة تنفرد بها وإن كان أصلها منك ولكن ما لها النفوذ لا بمعونتك فطلبنا القوة منك فإنك ذو القوة المتين فيصدقهم الله في كونهم جعلوا القوة منه التي فيهم وإنهم رأوا فيها القصور لخاصية المحل فما لها نفوذ الاقتدار الإلهي إلا بمساعدة الاقتدار الإلهي فإن العجز والجبن والبخل في الخلق ذاتي لازم في جبلته وأصل خلقه إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا فإذا تكر وتشجع فنصرته من المكانة والاكتساب والتخلق بأخلاق الله حيث كان في ذاته روحا منه فأثرت البقعة كما تؤثر البقعة في الماء بما يوجد من الملوحة والمرارة
(٢٧٨)