وجبروته ومن العبد على ذله وافتقاره فوجدناه حكم الدرجات بما تقتضيه والدرجة أيضا هي التي جعلت هذا الأمر والنهي في حق الله يسمى أمر أو نهيا وفي حق العبد يسمى دعاء ورغبة فأقام الحق نفسه بصورة ما أقام فيه عباده بعضهم مع بعض وقوله رفيع الدرجات إنما ذلك على خلقه ثم أنزل نفسه معهم في القيام بمصالحهم وبما كسبوا قال تعالى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كما قال تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض لأنهن عائلته وقد ورد عن رسول الله ص أن الخلق عيال الله فيقوم بهم لأن الخلق إلى الله يميلون ولهذا كانوا عائلة له فلما أنزل نفسه في هذه المنزلة فضلا منه وحقيقة فإنه لا يكون الأمر إلا هكذا نبه أنه منا وفينا كنحن منا وفينا إنه منا وفينا * مثلنا منا وفينا * وبنا عرفت ربي * هكذا جاء يقينا قال الله تعالى ورفع بعضكم فوق بعض درجات وعلل بقوله ليتخذ بعضكم بعضا سخريا ومن سألته فقد اتخذته موضعا لسؤالك فيما سألته فيه وقد أخبر عن نفسه بالإجابة فيما سأله لمن سأله على الشرط الذي قرره كما نجيبه نحن فيما سألنا أيضا على الشرط الذي تقضي به مراتبنا ثم إنه عز وجل لما كان عين أسمائه في مرتبة كون الاسم هو عين المسمى ومن يقول في صفات الحق إنها لا هي هو ولا هي غيره وقد علمنا رفعة الدرجات في الأسماء بعضها فوق بعض كانت ما كانت ليتخذ بعضهم بعضا بحسب مرتبته فنعلم إن درجة الحي أعظم الدرجات في الأسماء لأنه الشرط المصحح لوجود الأسماء وإن العلم من العالم أعم تعلقا وأعظم إحاطة من القادر والمريد لأن لمثل هؤلاء خصوص تعلق من متعلقات العالم فهم للعالم كالسدنة ولما كان العلم يتبع المعلوم علمنا إن العالم تحت تسخير المعلوم يتقلب بتقليبه ولا يظهر له عين في التعلق به إلا ما يعطيه المعلوم فرتبة المعلوم إذا حققتها علمت علو درجتها على سائر الدرجات أعني المعلومات ومن المعلومات للحق نفس الحق وعينه وما يجب له ويستحيل عليه وما يجب لكل معلوم سوى الحق وما يستحيل على ذلك المعلوم وما يجوز عليه فلا يقوم فيه الحق إلا بما يعطيه المعلوم من ذاته وكذلك درجة السميع والبصير والشكور وسائر الأسماء في التعلق الخاص والرؤوف والرحيم وسائر الأسماء كلها تنزل عن الاسم العليم في الدرجة إلا المحيط فإنه ينزل عن العليم بدرجة واحدة فإنه لا يحيط إلا بمسمى الشئ والمحال معلوم وليس بشئ إلا في وجود الخيال فهنالك له شيئية اقتضتها تلك الحضرة فهو محيط بالمحال إذا تخيله الوهم شيئا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ولكن في المرتبة الخارجة عن الخيال لا إحاطة له بالمحال مع كون المحال معلوما للعالم غير موصوف بالإحاطة وكذلك الحي لما كانت له درجة الشرطية كان له السببية في ظهور أعيان الأسماء الإلهية وآثارها وكذلك كل علة لا بد أن يكون لها حكم الحياة وحينئذ يكون عنها الأثر الوجودي ولا يشعر بذلك كل أحد من نظار العلماء من أولي الباب إلا أرباب الكشف الذين يعاينون سريان الحياة في جميع الموجودات كلها جوهرها وعرضها ويرون قيام المعنى بالمعنى حتى يقال فيه سواد مشرق وسواد كدر ومن لا علم له يجعل الإشراق للمحل لا للسواد وما عنده خبر فكذلك قيام الحياة بجميع الأعراض قيامها بأعيان الجواهر فما من شئ من عرض وجوهر وحامل ومحمول إلا وهو يسبح بحمد الله ولا يسبح الله إلا حي عالم بمن يسبح وبما يسبح فيفصل بعلمه بين من ينبغي له التسبيح وبين من ينبغي له التشبيه في العين الواحدة من وجوه مختلفة وهو سبحانه يثني على نفسه ويسبح نفسه بنفسه كما قال إنه غني عن العالمين وقال وأقرضوا الله قرضا حسنا وكل ذلك في معرض الثناء على نفسه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ومن لم يعرف الله تعالى والعالم بمثل هذه المعرفة فما عنده علم بالله ولا بالعالم ولولا ما هو الأمر كما قررناه ما قال رسول الله ص من عرف نفسه عرف ربه وأتى بالعامل الذي يتعدى إلى مفعول واحد ولم يقل علم وذلك ليرفع الإشكال في الأحدية فقد بان لك يا وليي بما فصلناه وأومأنا إليه ما تقتضيه هذه الحضرة حضرة الرفع والتي قبلها حضرة الميزان الذي به يخفض الله ويرفع ولما كانت للحق الدرجة العلياء قال إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح برفعه فإن الكلمة إذا خرجت تجسدت في صورة ما هي عليه من طيب وخبيث فالخبيث يبقى فيما تجسد فيه ما له
(٢٢٨)