ما كان عليه أبوه من تحصيل المنزلتين والظهور بالصفتين فراضهم الاسم المذل من حضرة الإذلال فأخرجهم عن الإدلال بالدال اليابسة وذلك لمن اعتنى الله به من بنيه فأشهدهم عبوديتهم فتقربوا إليه بها ولا يصح أن يتقرب إلى الله إلا بها فإنها لهم ليس لله منها شئ كأبي يزيد وغيره إذ قال له ربه تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار وقال في طرح العزة عنه وقد قال له يا رب كيف أتقرب إليك أو منك فقال له ربه يا أبا يزيد أترك نفسك وتعالى والنفس هنا ما هو عليه من العزة التي حصلت له من رتبة أبيه من خلقه على الصورة ولو علم من يجهل هذا أنه ما من شئ في العالم إلا وله حظ من الصورة الإلهية والعالم كله على الصورة الإلهية وما فاز الإنسان الكامل إلا بالمجموع لا بكونه جزءا من العالم ومنفعلا عن السماوات والأرض من حيث نشأته ومع هذا فهو على الصورة الإلهية كما أخبر رسول الله ص أن الله خلق آدم على صورته واختلف في ضميرها من صورته على من يعود وفي رواية وإن ضعفت على صورة الرحمن وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان فامتاز الإنسان الكامل عن العالم مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على الصورة بانفراده من غير حاجة إلى العالم فلما امتاز سرى العز في أبنائه أي في بعض بنيه فراضهم الله بما شرع لهم فقال لهم إن كنتم اعتززتم بسجود الملائكة لأبيكم فقد أمرتكم بالسجود للكعبة فالكعبة أعز منكم إن كان عزكم للسجود فإنكم في أنفسكم أشرف من الملائكة التي سجدت لكم أي لأبيكم وأنتم مع دعواكم في هذا الشرف تسجدون للكعبة الجمادية ومن عصى منكم عن السجود لها التحق بإبليس الذي عصى بترك سجوده لأبيكم فلم يثبت لكم العز بالسجود مع سجودكم للكعبة وتقبيلكم الحجر الأسود على أنه يمين الله محل البيعة الإلهية كما أخبرتكم وإن كنتم اعتززتم بالعلم لكون أبيكم علم الملائكة الأسماء كلها فإن جبريل ع من الملائكة وهو معلم أكابركم وهم الرسل صلوات الله عليهم وسلامه والنبي محمد ص يقول حين تدلى إليه ليلة إسراءه رفرف الدر والياقوت فسجد جبريل ع عند ذلك ولم يسجد النبي ص وقال فعلمت فضل جبريل علي في العلم عند ذلك ثم إنكم عن لمة الملك تتصرفون في مرضات الله فهم الذين يدلونكم على طرق سعادتكم والتقرب فبأي شئ تعتزون على الملائكة فكونوا مثل أبيكم تسعدوا وما ثم فضل إلا بالسجود والعلم وقد خرج من أيديكم والذين لهم العزة من النبيين ليس إلا الرسل والمؤمنون فمن ارتاض برياضة الله فقد أفلح وسعد واعلم أنا قد ذكرنا في غير موضع من هذا الكتاب أنه ما من حكم في العالم إلا وله مستند إلهي ونعت رباني فمنه ما يطلق ويقال ومنه ما لا يجوز أن يقال ولا يطلق وإن تحقق وقد خلق الافتقار والذلة في خلقه فمن أي حقيقة إلهية صدر وقد قال لأبي يزيد إنه ليس له الذلة والافتقار وقد نبهتك على المستند الإلهي في ذلك بكون العلم تابعا للمعلوم والعلم صفة كمال ولا يحصل إلا من المعلوم فلو لم يكن إلا هذا القدر كما أنه ما ثم إلا هذا القدر لكفى ثم إني أزيدك بيانا مما تعطيه حقائق الأسماء الإلهية التي بها تعددت وكانت الكثرة فلو رفعت العالم من الذهن لا ارتفعت أسماء الإضافة التي تقتضي التنزيه وغيره بارتفاع العالم فما ثبت لها حكم إلا بالعالم فهي متوقفة عليه ومن توقف عليه ظهور حكم من أحكامه فلا بد له أن يطلبه ولا يطلب إلا ما ليس بحاصل ثم إن التنزيه إذا غلب على العارف في هذه المسألة رأى إنه ما من جزء من العالم إلا وهو مرتبط باسم إلهي مع تقدم بعضه على بعض فما توقف اسم ما من الأسماء الإلهية في حكمه إلا على اسم ما إلهي من الأسماء يظهر في ذلك حكمه بالإيجاد أو بالزوال فما توقفت الأسماء الإلهية إلا على الأسماء الإلهية وليست الأسماء إلا عين المسمى فمنه إليه كان الأمر هذا عقد المنزه وأما العالم فالذي ذكرناه من ارتفاع حكم الأسماء بارتفاع العالم ذهنا أو وجودا فقد علمت مستند الذلة والافتقار والإذلال فإنه لا يوجد الموجد إلا ما هو عليه ألا ترى إلى الحكماء قد قالوا لا يوجد عن الواحد إلا واحد والعالم كثير فلا يوجد إلا عن كثير وليست الكثرة إلا الأسماء الإلهية فهو واحد أحدية الكثرة الأحدية التي يطلبها العالم بذاته ثم إن الحكماء مع قولهم في الواحد الصادر عن الواحد لما رأوا منه صدور الكثرة عنه وقد قالوا فيه إنه واحد في صدوره اضطرهم إلى أن يعتبروا في هذا الواحد وجوها متعددة عنه بهذه الوجوه صدرت الكثرة فنسبة الوجوه لهذا الواحد الصادر نسبة الأسماء الإلهية إلى الله فليصدر عنه تعالى الكثرة كما صدر في
(٢٣١)