مرآة غيري لأن الله عصمني منه في حال الاختيار والاضطرار فلم أنازع قط وكل مخالفة تبدو مني لمنازع فهي تعليم لا نزاع فإني ما ذقت في نفسي القهر الإلهي قط ولا كان له من هذه الحضرة في حكم قال تعالى وهو القاهر فوق عباده أي قهر عباده لما صدر منهم من النزاع ويرسل عليكم حفظة وهو التوكيل أعني هذا الإرسال في حق قوم وحفظا وعصمة في حق آخرين وهو قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله أي من حيث إن الله أمرهم بحفظه فهم المعصومون المحفوظون وقد يحفظونه من أمر النازل به فيدفعونه كما فعل بالزاني في حين زناه أخرج عنه الايمان حتى صار عليه كالظلة يحفظه من أمر الله النازل به حيث تعرض بالمخالفة لنزول البلاء عليه فيحفظه الايمان من هذا الأمر النازل بأن يتلقاه فيرده عنه لعله يستغفر أو يتوب فإذا كان غير المعصوم يحفظ مثل هذا الحفظ فما ظنك بالمعتنى به فإنه محفوظ في الأصل وأدق ما يكون من الخلاف النزاع الإلهي بإنابة العبد فإذا زال العبد عن إنابته لم يجد القهار من يقف له فيقهره والسهم لا يمشي إلا إلى مرماه واعلم أن الدعاء لا يقتضي المنازعة كما ذهب إليه سهل والفضيل بن عياض حيث أرادا ما أراد الله كما جاء عنهما فإن الدعاء ذلة وافتقار والنزاع رياسة وسلطنة ولولا النزاع القائم بنفوس الرعية الذين لو مكنوا من إرساله لوقع منهم ما أضيف إلى الرعية إنهم مقهورون تحت سلطان مليكهم ومن لم يخطر له شئ من ذلك ولم ينازع فما هو مقهور ولا الملك له بقاهر بل هو به رؤوف رحيم فمن قهر تخلقا من عباد الله فإنما قهر بالله من نازع أمر الله لا بنفسه وما ثم إلا نزاع الشيطان بلمته فيما يلقيه إلى هذا العبد في قلبه منازعة لأمر الله ونهيه هذا قصده بالإلقاء وإن لم يخطر للعبد ذلك فإنه لا يخطر له مثل هذا الكون الايمان يرده ولكن يستدرجه بالمخالفة شيئا بعد شئ إلى أن يكفر فإن المعاصي يريد الكفر ولا تأتي إذا كثرت وترادفت إلا بالكفر فلهذا يسارع بها وينوعها الشيطان فلا يزال المؤمن يقهره بلمة الملك مساعدة للملك على نفسه لينجو فإن المؤمن من يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ومن النزاع الخفي الصبر على البلاء إذا لم يرفع إزالته إلى الله كما فعل أيوب ع وقد أثنى الله عليه بالصبر فقال مع ثبوت شكواه إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب فذكره بكثرة الرجوع إليه في كل أمر ينزل به فمن حبس نفسه عند الضر النازل به عن الشكوى إلى الله في رفع ما نزل به وصبر مثل هذا الصبر فقد قاوم القهر الإلهي فإن الله قاهر هذا العبد وإن كان محمودا في الطريق ولكن الشكوى إلى الله أعلى منه وأتم ولهذا قلنا إن الدعاء لا يقدح ولا يقتضي المنازعة بل هو أعلى وأثبت في العبودة من تركه وأما الرضاء والتسليم فهما نزاع خفي لا يشعر به إلا أهل الله فإن كان متعلق الرضاء المقضي به فيحتاج إلى ميزان شرعي وإن كان متعلق الرضاء القضاء فإن كان القضاء يطلب القهر ويجد الراضي ذلك من نفسه فيعلم إن فيه نزاعا خفيا فيبحث عنه حتى يزيله وإن لم ير أن ذلك القضاء يطلب القهر فيعلم أنه الرضاء الخالص الجبلي لأن الرضاء من راض يروض ومنه الرياضة ورضت الدابة وهو الإذلال ولا يوصف به إلا الجموع والجموح نزاع إنما يراض المهر الصغير لجموحه وجهله بما خلق له فإنه خلق للتسخير والركوب والحمل عليه والمهر يأبى ذلك فإنه ما يعلمه فيراض حتى ينقاد في أعنة الحكم الإلهي وكذلك رياضة النفوس لولا ما فيها من الجموح لما راضها صاحبها فإذا خلقت مرتاضة بالأصالة فكان ينبغي أن لا يطلق عليها اسم راضية بل هي مرضية وإنما النفوس الإنسانية لما خلقها الله على الصورة الإلهية شمخت على جميع العالم ممن ليست له هذه الحقيقة وانحجبت عن الحقائق الإلهية التي تستند إليها حقائق العالم حقيقة حقيقة فاكتسبت الرياضة لأجل هذا الشموخ فذلت تحت سلطانه وحمدت على ذلك وكذلك التسليم لم يصح إلا مع التمكن من الجموح وكذلك التوكيل لم يصح إلا بعد الملك فهو نزاع خفي والقهر الإلهي يخفى بخفاء النزاع ويظهر بظهور النزاع والعارف لا يغفل عن نفسه طرفة عين فإنه إذا غفل عن نفسه غفل عن ربه ومن غفل عن ربه نازع بباطنه ما يجده من الأثر فيه مما يخالف غرضه فيجئ القهر الإلهي فيقهره فيكون إذ أكثر منه مثل هذا يسمى عبد القهار وإذا قل منه يسمى عبد القاهر والضابط لهذه الحضرة أن ينظر الإنسان في خفايا موافقاته ومخالفاته فيعلم من ذلك هل لهذه
(٢١٦)