خرج عن صورته التي هو عليها من حيث هو جامع حقائق العالم فلا بد أن يتصور فيه أعني في الحق إنسانيته على الكمال أو من إنسانيته ولو نزه ما عسى إن ينزه فإن غاية المنزه التحديد ومن حد خالقه فقد أقامه كنفسه في الحد ولذلك أطلق الله له على لسان رسوله ص اعبد الله كأنك تراه فأدخل على الرؤية كاف التشبيه والتمثيل وقال له إن الله في قبلة المصلي وقال فأينما تولوا فثم وجه الله ووجه الشئ ذاته وحقيقته ففي أي صورة أقام الله عبده فهي موضع توليه ففيها وجه الله إن عقلت فقد أثبت الحق لك ما ينفيه عقلك بدليله والحق أحق أن يتبع فالإنسان ينشئ في نفسه صورة يعبدها فهو المصور وهو مخلوق منشأ أنشأه الله عبدا يعبد ما ينشئه فليس ينشئ عبد غير خالقه * وليس ينشئه إلا الذي خلقه فهو الذي أنشأ الأكوان أجمعها * في مضغة كان ذاك النشء أو علقة فزاد في خلقه بكون خالقه * له الغناء ولهذا فقره طبقه مع الغناء فله النعتان قد جمعا * بمثل هذا الذي قلناه قد سبقه فللعبد المؤمن إقامة نش ء صور الأعمال التي كلفه الحق أن يقيم نشأتها على أتم الوجوه وأعطاه القوة على نفخ الروح في كل صورة ينشيها من عمله وهو الحضور والإخلاص فيها وما ذم الله عبدا يصور صورة لها روح منه ينفخه فيها بإذن ربه فتقوم عنه حية ناطقة مسبحة بحمد ربه وإنما ذم الله من يخلق صورة لها استعداد الحياة فلا يحييها إذ كان خالقها ولكن بما هي عليه من الاستعداد يحييها الحق دون هذا الذي أنشأها فبمثل هذا المصور تعلق الذم الإلهي ثم إن الحق رد كل صورة في العالم تظهر عن الأسباب المنشئة لها إلى نفسه في الخلق تعالى فقال في كل عامل والله خلقكم وما تعملون فهو خالقك وخالق ما أضاف عمله إليك فأنت العامل لا العامل كما قال وما رميت إذ رميت فنفى عين ما أثبت لك وأثبته لنفسه فقال ولكن الله رمى وما رمى إلا العبد فأعطاه اسمه وسماه به وبقي الكلام في أنه هل حلاه به كما سماه به أم لا فإنا لا نشك أن العبد رمى ولا نشك أن الله تعالى قال ولكن الله رمى وقد نفى الرمي عنه أولا فنفى عنه اسم العبودة وسماه باسمه إذ لا بد من مسمى وليس إلا وجود عين العبد لا من حيث هو عبد لكن من حيث هو عين فإن العبد لا يقبل اسم السيادة والعين كما تقبل العبودية تقبل السيادة فانتقل عنها الاسم الذي خلقت له وخلع عليها الاسم الذي يكون عنه التكوين وهو قوله تعالى ولكن الله رمى والحق لا يباهت خلقه فما يقول إلا ما هو الأمر عليه في نفسه فنفى ما يستحق النفي لعينه وأثبت ما يستحق الثبوت أيضا لنفسه فظهرت الحقائق في أماكنها على منازلها ما اختل شئ منها في نفس الأمر وإن ظهر الاختلال بالنظر إلى قوم فذلك الاختلال لو لم يكن لكان في الوجود نقص لعدم حكم ذلك الاختلال فلا بد من كونه لأنه لا بد من كمال الوجود وهو قولنا في النقص إنه من كمال الوجود أن يكون فيه نقص وإن كان عينا سلبية ولكن حكمها واضح لمن عقل الأمور على ما هي عليه فحضرة التصوير هي آخر حضرة الخلق وليس وراءها حضرة للخلق جملة واحدة فهي المنتهى والعلم أولها والهوية هي المنعوتة بهذا كله أعني الهوية فابتدأ بقوله هو لأن الهوية لا بد منها ثم ختم بها في السلب والثبوت وهو قوله هو الله الذي لا إله إلا هو وابتدأ من الصفات بالعلم بالغيب والشهادة وختم بالمصور ولم يعين بعد ذلك اسما بعينه بل قال له الأسماء الحسنى ثم ذكر أن له يسبح ما في السماوات والأرض ولم يقل وما في الأرض لأن كثيرا من الناس في الأرض لا يسبحون الله وممن يسبح الله منهم ما يسبحه في كل حال والأرض تسبحه في كل حال والسماوات وما فيها وهم الملائكة والأرواح المفارقة وهي تسبحه كما قال يسبحون الليل والنهار لا يفترون فراعى هنا من يدوم تسبيحه وهو الأرض كما راعى في موطن آخر من القرآن تسبيح من في الأرض وإن كان البعض من العالم فقال عز من قائل تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن بجمع من يعقل ثم أكد ذلك بقوله وإن من شئ إلا يسبح بحمده وزاد في التأكيد بقوله ولكن لا تفقهون تسبيحهم فأتى بلفظة من ولم يأت بما وأتى في الحشر بما ولم يأت بمن فإن سيبويه يقول إن اسم ما يقع على كل شئ إلا أنه لم يعم الموجودات فوجلت قلوب من بقي منها ولم يقع له ذكر في التسبيح فجبر الله كسرها وأزال وجلها بقوله عقيب
(٢١٣)