شكل المرآة من طول وعرض واستدارة وانحناء وكبر وصغر فترد الرائي إليها ولها الحكم فيه فيعلم بالتقييد المناسب لشكل المرآة أن الذي رآه قد تحول في شكل صورته في أنواع ما تعطيه حقيقته في تلك الحال وإن رآه خارجا عن شكل ذاته فيعلم أنه الحق الذي هو بكل شئ محيط وبأي صورة ظهر فقد سلم من تأثير الصورة الأخرى فيه لأن حضرة السلام تعطي ذلك ألا ترى الرجل الذي رأى الحق عند رؤية أبي يزيد فمات وقد كان يرى الحق قبل رؤية الحق في رؤية أبي يزيد فلا يتأثر فقد رأى الحق في غير صورة مرآته ومثاله رؤية الشخص نفسه في مرآة فيها صورة مرآة أخرى وما في تلك المرآة الأخرى فيرى المرآة الأخرى في صورة مرآة نفسه ويرى الصورة التي في تلك المرآة الأخرى في صورة تلك المرآة الأخرى فبين الصورة ومرآة الرائي مرآة وسطي بينها وبين الصورة التي فيها وقد بينا ونبهنا على هذا ورغبنا في هذا المقام في رؤية الحق بالرؤية المحمدية في الصورة المحمدية فإنها أتم رؤية وأصدقها وهذه الحضرة لمن لم يشرك بالله شيئا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والجاهل من أشرك بالله خفيا كان الشرك أو جليا وذلك لأنهم يعرفون من أين خاطبهم الجاهلون وما حضرتهم فلو أجابوهم لانتعظموا معهم في سلك الجهالة فإن كل إنسان ما يكلم إنسانا بأمر ما من الأمور ابتداء أو مجيبا حتى ينصبغ بصفة ذلك الأمر الذي يكلمه به كان ذلك ما كان وكل ذلك من الحضرات الإلهية علم ذلك من علمه وجهله من جهله فلم يتمكن لهؤلاء أن يزيدوا على قولهم سلاما شيئا ولو راموا ذلك ما استطاعوا وهذه الحضرة من أعظم الحضرات منها نقول الملائكة لأهل الجنة سلام عليكم بما صبرتم ومنها شرعت التحية فينا بالسلام على التعريف والتنكير وفي الصلاة وفي غير الصلاة واعلم أن الجاهل هو الذي يقول أو يعتقد ما يصوره في نفسه وما لذلك المصور اسم مفعول صورة في عينه زائدة على ما صوره هذا القائل والمعتقد في نفسه فكل ما تطلبه في حضرة وجودية فلا تجده إلا في نفس الذي صوره أو تلقاه عمن صوره فذلك الجهل أعني تصويره وذلك الجاهل أعني الذي صوره ومن كان من أهل هذه الحضرة السلامية فإنه عالم بالحضرات الوجودية وما تحوي عليه من الصور فإذا لم يجد فيها صورة ما خاطبه بها هذا القائل علم أنه جاهل أو مقلد لجاهل فلا يزيده على قوله سلاما شيئا وهذا مقام عزيز ما رأيت من أهله أحدا إلى الآن أعني أهل الذوق الذين لهم فيه شهود وإن كنت رأيت من يصمت عند خطاب الجاهل فما كل من يصمت عند خطاب الجاهل يصمت من هذه الحضرة وإن علم إن القائل من الجاهلين ولكن لا يقول سلاما إلا صاحب هذه الحضرة فإن له اطلاعا على وجود تلك الصورة في نفس القائل ولا يرى لها صورة في غير محله أصلا سواء كان ذلك القائل مقلدا أو قائلا عن شبهة وكل ما لا صورة له إلا في نفس قائله فإنها تذهب من الوجود بذهاب قوله أو ذهاب تذكر ما صوره من ذلك فإنه ما ثم حضرة وجودية تضبط عليه وجوده وللحروف المنظومة الدالة عليه من المتكلم به أعني أعيانا ثابتة في حضرة الثبوت أعني في شيئية الثبوت في عين هذا القائل وفي شيئية الوجود الخطابي أيضا ولكن مدلولها العدم فلا بد من ذهاب الصورة من النفس وإن بقيت لها صورة في الخطاب كائنة من حيث ما تشكلت في الهواء ملكا مسبحا يعرف أمه وهو القائل ولا يعرف له أبا في حضرة من حضرات الوجود فيبقى غريبا ما له نسب يعرفه سوى الذي تكون فيه وهو هذا الجاهل القائل وبهذا كان الصدق له الإعجاز في الكلام لأنه حق وجودي بخلاف المزور في نفسه ما ليس هو فما له شئ يستند إليه فيظهر قصوره عن غيره ولذلك نهينا أن نضرب لله الأمثال وهو يضرب الأمثال لأنه يعلم ونحن لا نعلم فهو عز وجل يضرب لنا الأمثال بماله وجود في عينه ونحن لسنا كذلك إلا بحكم المصادفة فنضرب المثل إذا ضربناه بما له وجود في عينه وبما لا وجود له إلا في تصورنا فنطلب مستندا فلا نجده فلا يبقى له عين فيزول لزواله ما ضرب له المثل لأنه لا يشبهه كما يزول نور السراج من البيت إذا ذهب السراج منه وقد رأينا جماعة من المنتمين إلى الله يتسعون في ضرب المثل من علماء الرسوم ومن أهل الأذواق كما أنهم يتكلمون في ذات الحق بما يقع به التنزيه لها من كونها لو كانت كذا لزم أن تكون كذا فاذن ليست بكذا والكلام في ذات الله عندنا محجور بقوله ويحذركم الله نفسه من باب الإشارة وإن كان له مدخل في التفسير أيضا ولا يقع في مثل هذا
(٢٠٣)