وثانيا: لا وجه لإشكاله في الحصر إلا كون المستثنى منقطعا. وأما كونه غير مفرغ فلا دخل له في الإشكال. مضافا إلى أنه قيد توضيحي، لأن الاستثناء المنقطع لا ينقسم إلى قسمين: مفرغ وغير مفرغ، لأن كل مفرغ - لا محالة - الاستثناء فيه متصل، لأنه لا موجب لتقدير المستثنى منه معنى لا يشمل المستثنى.
فلو قيل: (ما جاءني إلا حمار) فيقدر ما جاءني حيوان يصير متصلا.
وبعبارة أخرى: المتصل ينقسم إلى قسمين: مفرغ وغيره. والمفرغ مفيد للحصر قطعا، والمنقطع لا يكون إلا غير مفرغ. وكونه غير مفرغ لا يوجب عدم إفادته الحصر، لأنه بناء على عدم إفادة غير المفرغ الحصر فإنما هو في المتصل، لا المنقطع، فإنه مفيد له ولو كان المستثنى منه مذكورا، بل هو أبلغ في الحصر من المتصل المفرغ، لأنه لا يصح التعبير بالانقطاع إلا فيما كان بين المستثنى منه والمستثنى ارتباط ما ومناسبة في الجملة، فكل ما يناسب مع المستثنى منه يخرج عنه بأداة الاستثناء، ولا يبقى إلا خصوص المستثنى فقوله: ما جاءني إلا حمار، أي من كل من احتمل أن يجئ من القوم ومن دوابهم ما جاءني إلا حمارهم، فانحصر الجائي بالحمار وهكذا مفاد الآية الشريفة، أي كل كسب واكتساب أكل بالباطل إلا الكسب عن الرضا.
وبالجملة: وجه توهم عدم إفادة الاستثناء المنقطع للحصر عدم محصورية المستثنى بالخروج، وكون الخارج مما لا يتناهى، فإن المنقطع من القوم ليس خصوص الحمار، فإن البقر والفرس وغيرهما أيضا غير داخل في القوم، فلا يفيد نفي المجئ عن القوم، وإثباته للحمار اختصاصه به، لإمكان اشتراك سائر الحيوانات معه. وهذا التوهم فاسد، فإن المستثنى في المنقطع ليس كل ما لا يرتبط بالمستثنى منه حتى يكون مما لا يتناهى، بل لا بد في صحة المستثنى المنقطع من عناية وتنزيل، فينحصر فيما يناسب مع المستثنى منه ولو كان أدنى مناسبة، فإذا انتفى المجئ من القوم وما يناسبهم وانحصر الجائي في الحمار فيفيد اختصاص الحكم به ونفيه عما عداه. ففي الحقيقة كل منقطع راجع إلى المتصل.