الشئ الثالث، نظرا إلى امتناع تنجز الطرف مرارا؟!
وهكذا لو خالف الفقيه التكليف الواصل إليه بخبر معتبر عنده، ثم اتفق له وجود خبر آخر دال على ذاك التكليف، وكان ذلك الخبر في غير المحل المعد للأخبار، فهل ترى أنه يعد متجريا إذا صادف كذب الخبر الأول صدورا، وصدق الخبر الثاني، نظرا إلى أن ما هو الحجة هو الأول، ولا يعقل تعدد الحجة على شئ واحد، أم هو عاص، ويستحق العقوبة، لوجود الخبر الحجة؟ وكل ذلك لأجل ما أشرنا إليه.
فالقول بالبراءة في جميع الصور، كما كان عليه الوالد المحقق في دورة، أو في هذه الصورة التي هي القدر المتيقن بين القائلين بالتفصيل (1)، بلا وجه.
وعلى هذا لا وقع للقول بأصالة عدم تنجس الملاقي (2)، لكونها معارضة مع الأصل المذكور الجاري في الطرف، وهكذا قاعدة الطهارة وغيرها.
ومن الغريب تمسك بعضهم في مثل ما إذا علم بأن أحد الميتين ميت مؤمن يجب غسله، بأنه لو لاقى بعض الأطراف لا يجب عليه غسل مس الميت، لعدم ثبوت المس على الميت الخاص!!
غافلا عن العلم الاجمالي بأنه إما يجب عليه غسل مس الميت، أو غسل الميت غير الممسوس. واستصحاب عدم تحقق المس الموجب، معارض باستصحاب عدم وجوب غسل مس الميت المشار إليه، أو بالبراءة لو قلنا بعدم جريان الاستصحاب المذكور. وأمثال هذه الحكايات المشبوهة كثيرة في كتب المحصلين من الأصوليين، والأمر سهل.