يقال: إن الأصحاب تلقوها بالقبول، وعملوا بها قديما وحديثا. ويعلم استنادهم إليها من الافتاء بمضمون ما ورد فيها من قوله (ع): " وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وان كان حقه ثابتا " حيث أن هذه الجملة لم ترد في سائر اخبار باب القضاء، فراجع.
وأما دلالتها، فلا ينبغي الاشكال في تماميتها، فان صدرها من الترجيح بالأفقهية والأعدلية والأصدقية وان كان ناظرا إلى ترجيح أحد الحكمين على الآخر عند الاختلاف، إلا أن ظاهر ذيلها هو ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، إذ الترجيح - بكون الرواية مجمعا عليها بين الأصحاب وبموافقة الكتاب والسنة وبمخالفة العامة - قد اعتبر فيها بعد فرض سقوط حكم الحكمين بالمعارضة. فمفادها أنه بعد سقوط الحكم يرجع إلى الروايتين ويؤخذ بالراجح منهما.
(الثالث) - أنه لو تمت دلالة الاخبار على لزوم الترجيح بين المتعارضين حتى في مقام الافتاء، لابد من رفع اليد عن ظاهرها وحملها على الاستحباب، لوجهين:
(أحدهما) - أن الاخذ بظاهرها يوجب حمل اطلاقات أخبار التخبير على الفرد النادر، إذ مورد تساوي الخبرين المتعارضين قليل جدا، وشمول المطلق لفرده النادر وإن كان بلا محذور، إلا أن في اختصاصه به محذورا على ما ذكر في محله.
(ثانيهما) - أن ترك الاستفصال - عن التعادل والتفاضل في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين في أخبار التخيير - قرينة على الاستحباب، إذ على تقدير وجوب الترجيح يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فان الحكم - باختصاص التخيير بصورة فقد المرجح - مستفاد من دليل منفصل، وهو اخبار الترجيح.
وفيه أن ما ذكره - من أن الاخذ بظواهر أخبار الترجيح يوجب حمل إطلاقات أخبار التخيير على الفرد النادر - إنما يتم على القوم بالتعدي عن المرجحات المنصوصة