الموارد المذكورة لا عقوبة، لما أن الشرع يقبل تلك الأمور عذرا، فالفعلية موجودة، واستحقاق العقوبة منتف.
وفيما نحن فيه أيضا يكون العلم الاجمالي، منجزا وموجبا للاستحقاق، ومقتضى ترخيص الشرع بأخذ الطرق والأمارات في الشبهات التحريمية والوجوبية على الإطلاق، قبول العذر إذا أصاب العلم الاجمالي الواقع، أو الحجة الإجمالية الواقع، فيكون ارتضاؤه بسلوك الطريق القائم عند زيد العالم بالحكم إجمالا، مع كون الشرع عالما بأن علمه أصاب الواقع، ممتنعا، وإمضاؤه لتلك الطريقة والأخذ بالطرق بالنسبة إليه غير ممكن.
وأما فيما إذا كان ممضيا لجميع الطرق - كالخبر الواحد، بل والظواهر في لحاظ واحد - فلا يكون هناك إلا ضرب القوانين النفسية والطريقية، وحيث يجد إصابة الطرق الواقعيات في الجملة، ويجد تخلف العلوم الإجمالية عن الواقعيات في الجملة، يتمكن طبعا من ضرب تلك القوانين النفسية والطريقية، وتكون النتيجة - حسب النظر البدوي، على تقدير وجود عموم الإمضاء في موارد الأمارات، أو عموم التأسيس في موارد الاستصحاب، والبراءة، والحل - جواز ارتكاب مجموع الأطراف، وترك المجموع في الشبهات التحريمية والوجوبية ثبوتا، وأما جوازه إثباتا فهو في البحث الآتي إن شاء الله تعالى.
فإذا كان في موارد قيام الأمارات على أطراف العلم الاجمالي، إمكان الترخيص، لكونها أمارات على الواقع، وناظرة إلى الأحكام الواقعية حسب الظاهر، فكيف الأمر بالنسبة إلى الأمارات التعبدية أو الأصول المحرزة أو التنزيلية، أو غيرهما من الأصول الجارية بالنسبة إلى مقام الثبوت والجعل، أو السقوط والامتثال، كقاعدة التجاوز، والحيلولة، والفراغ، والصحة، وغير ذلك؟!
وقضية ما سلف: أنه لا يحصل فرق بين المسالك في باب حجية الأمارات،