وإن كان المراد منه انحلال العلم وذهاب أثره، فهو غير جيد كما مر، ضرورة أن من الممكن أن تكون الطرق الواصلة، موجبة لتنجز المحتملات غير المنجزة بالعلم، ويكون المنجز بالعلم باقيا زائدا على مقدار الطرق والأصول المثبتة، ضرورة أن مجرد كون المعلوم بالإجمال، دائرا بين الأقل والأكثر لا يكفي، لكون المعلوم بالإجمال منحصرا فيما هو الواصل بالطرق والأمارات، بعد احتمال كون الواصل بها هو الأكثر المحتمل، فيكون ما يستحق العقوبة عليه باقيا على عهدته.
نعم، للشرع الترخيص في الزائد، ومشكلة الترخيص في هذه الموارد، منحلة في مسألة كيفية الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري الذي مضى تحقيقه في مباحث الظن (1)، ولولا ترخيصه لكان حكم العقل بقاء أثر العلم حتى في الشبهات الوجوبية، كما أشير إليه، وتكون مقالة الأسترابادي أيضا مطابقة للقواعد، ولا تجري البراءة العقلية، لوجود البيان، وهو العلم الاجمالي بأثره، لا بوجوده.
وأما المناقشة في بقاء الأثر مع ذهاب علته وهو العلم، فقد انحلت في محلها، كما عليه جماعة من الأصوليين، ضرورة اتفاقهم على ممنوعية ارتكاب الإناء الثاني بعد ارتكاب الإناء الأول، مع ذهاب العلم الذي هو السبب للتنجيز، وهكذا في موارد الإكراه والاضطرار والانعدام وغيرها.
ومن الغريب توغل الأصوليين فيما هو بحث علمي، وإهمالهم فيما هو المهم بالبحث!! فقد توغلوا في أن الانحلال حكمي، أو حقيقي، وأن ميزان الانحلال ماذا (2)؟ وأهملوا أن بعد الاطلاع على المحرمات الكثيرة في الشرع، فهل هو يوجب تمامية جريان قبح العقاب بلا بيان، أم لا، لتمامية البيان عقلا؟