قلت: البرهان عليه أن المأتي به بداع الأمر بما هو لا مضادة له مع العقوبة بل المقابل لها المثوبة كما أن المقابل للبعد هو القرب فالاتيان بداع الأمر بلحاظ لوازمه يوجب تخفيف البعد والعقوبة فإذا فرض أن استحقاق الثواب بنفس ما يوجب استحقاق العقاب غير معقول، وأن التقرب بنفس ما يكون مبعدا غير ممكن فتخفيف العقوبة والبعد بما لا يوجب المثوبة والقرب غير معقول، ولا يقاس بفعلين، أحدهما في نفسه يوجب التقرب والثواب والآخر بنفسه يوجب البعد والعقاب فيتدارك مقتضى أحدهما بمقتضى الاخر، إما رأسا، وإما بمقدار، وإما حصول القرب المحض فلا يعقل للكافر لفرض بعده بكفره فأعماله الخيرية المقتضية لاستحقاق القرب توجب تخفيف البعد له فان بعده المفروض لكفره يمنع عن القرب المحض لا عن خروجه عن مرتبة من البعد إلى مرتبة أخف من الأولى لوجود مقتضي القرب.
ثم اعلم أن هذا كله لو كان طريق استكشاف غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي ما ذكرناه من الاجماع على صحة الصلاة في الغصب في حال الخروج بحيث لا يزيد على الخروج بشئ فإنه فيه الاشكالات المتقدمة وينحصر وجه الصحة فيما ذكرنا، وأما إذا استكشفنا غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي من طريق آخر مطلقا فالواجب الصلاة التامة في ضيق الوقت بل في السعة كما سيجيئ إنشاء الله تعالى لأن المفروض عدم صدور الحركة الغصبية المتحدة مع الصلاة مبغوضة لغرض غلبة الملاك المقتضي للأمر على ملاك النهي إلا أنك قد عرفت أن الغلبة أنما تجدي فيما إذا كان عموم ما فيه الملاك شموليا فإنه لا يمكن تحصيل الغرضين فلا بد من اختيار الأهم لو كان في البين، وأما إذا كان عموم أحدهما شموليا كما في الغصب، والاخر بدليا كما في الصلاة فإنه لا يكاد يتحقق الدوران حتى تجدي الأهمية، وعليه فلا تصح الصلاة التامة لا في ضيق الوقت، ولا في السعة بل يصح ما لا يزيد على الخروج بشئ في الضيق حيث لا اتحاد له مع المنهي عنه، والمفروض أنه القدر الميسور من الصلاة الغير المزاحمة بشئ