نهاية الدراية في شرح الكفاية - الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهانى - ج ١ - الصفحة ٣٦٢
" دوران الأمر بين إطلاق المادة والهيئة " قوله: وأما في الثاني فلأن التقييد الخ: لا يخفى أنه لا إطلاق للمادة (1)
1 - ينبغي توضيح صور الشك فنقول: القيد المردد إما أن يكون اختياريا أو غير اختياري فان كان اختياريا وكان واقعا قيدا للهيئة فلابد من أن يكون مفروض الوجود وإن كان واقعا قيدا للمادة فلابد من أن يكون لازم التحصيل لما مر منا من البرهان على استحالة أخذ القيد الاختياري في طرف المادة بحيث لا يترشح إليه التكليف، وإن كان غير اختياري وكان قيدا للهيأة فلابد من أن يكون مفروض الوجود وإن كان قيدا للمادة فلابد من أن يكون المقيد بما هو واجبا كالزمان الذي يحتمل أن يكون قيدا للهيأة بحيث لا مصلحة للمادة قبل وجوده فلذا لا بعث قبله ويحتمل أن يكون قيدا للمادة بحيث يكون المادة الموقتة بوقت كذا ذا مصلحة لا أنها بعد دخول الوقت يكون ذا مصلحة فللدوران صورتان:
أحديهما ما إذا تردد القيد الاختياري بين أن يكون قيدا للهيأة أو للمادة، ولا يخفي أن مقتضى إطلاق الهيأة عدم اقتران مفادها عند ملاحظتها بوجود القيد ولا بعدمه كما هو مقتضى اللا بشرطية قسميا وليس عدم وجوب تحصيله من مقتضيات إطلاقها فإنه يستحيل تقيدها بوجوب تحصيله من قبل هذا الوجوب حتى يكون لها إطلاق من حيث وجوب تحصيله لازم العلم الاجمالي بأنه أما قيد للهيأة فيكون مفروض الحصول أو قيد للمادة فيكون لازم التحصيل، فنفي كونه مفروض الحصول واقعا يلازم كونه لازم التحصيل.
وأما إطلاق المادة فمدلوله المطابقي أن الواجب ذات المادة من دون ضميمة في موضوعيتها للحكم ومدلولها الالتزامي بملاحظة عدم تقيد موضوع الوجوب عدم وجوب القيد وإلا فيستحيل أن يكون التقيد بوجوب القيد من قبل وجوب المقيد ملحوظا في موضوع الوجوب حتى يكون للمادة إطلاق من حيث الوجوب وعدمه بالمطابقة، وهل يمكن نفي وجوب القيد باطلاق المادة التزاما بتقريب سقوط الاطلاقين في مدلولهما المطابقي وعدم المنافي للمدلول الالتزامي من طرف اطلاق المادة فان مقتضى العلم الإجمالي الموجب لتنافي الاطلاقين هو أن الملحوظ في طرف الهيئة حصة خاصة من الوجوب أو الملحوظ في طرف المادة حصة خاصة من الصلاة مثلا فيقع التكاذب والتنافي بين الاطلاقين من هذه الحيثية فلا يمكن التمسك بأصالة الإطلاق في نفي كون الوجوب حصة خاصة من الوجوب ولا حصة خاصة من الصلاة ويبقي المدلول الالتزامي على حاله فينفي باطلاق المادة التزاما لا أنه يرجع في نفيه إلى البراءة؟ أو يسقط الاطلاقان مطلقا نظرا إلى العلم الإجمالي بالتقيد بقيد مفروض الحصول أو لازم التحصيل فهما متكاذبان في هذا المدلول الالتزامي أيضا بسبب العلم الإجمالي؟ والصحيح هو الثاني لأن مقتضى العلم الاجمالي ابتداء وإن كان هو التقيد الذي مقتضاه كون الوجوب حصة خاصة أو ذات الواجب حصة مخصوصة إلا أن أحد طرفي العلم بملزومه ولازمه طرف للاخر فيقع بينهما التكاذب فيتساقطان.
ثانيتهما ما إذا تردد القيد الغير الاختياري بين أن يكون قيدا للهيأة ومفروض الوجود أو قيد للمادة بحيث يكون المتقيد به بما هو كذلك واجبا وقد عرفت تساقط الاطلاقين لمكان العلم الاجمالي ونتيجته عدم فعلية الوجوب إلا بعد حصول القيد فلا محالة يكون المأتي به في مقام الامتثال مقربا به قطعا، وقد ذكر لترجيح إطلاق الهيئة وجوه:
أحدها أن تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادة من دون عكس فينتج أن المادة متيقن التقييد فلا مجال لأصالة الإطلاق فيها بخلاف تقييد الهيأة فإنه مشكوك فلأصالة الاطلاق فيها مجال.
وتقريبه أن المراد من تقييدهما معا ليس كون الاستطاعة قيدا للهيأة والمادة معا فان كونه مفروض الحصول مع كونه لازم التحصيل متنافيان وكونه مفروض الحصول لدخله في صيرورة المادة ذات مصلحة في فرض حصول وكونه غير دخيل في صيرورة المادة ذات مصلحة بل المادة المتقيدة ذات مصلحة أزلا وأبدا متنافيان، وأيضا ليس المراد من استلزام التقييد كون قيد الطلب يستحيل أخذه فيما هو متقدم عليه طبعا، وأيضا ليس المراد من الاستلزام أن ذات قيد الطلب قيد للمطلوب بما هو مطلوب في مرتبة موضوعيته للطلب إذ يستحيل اتصاف ذات المطلوب بكونه مطلوبا في مرحلة موضوعيته حتى يعقل إطلاقه وتقييده بل المراد من الاستلزام المزبور تقيد ذات المطلوب في مرحلة اتصافه بالمطلوبية بقيد الطلب قهرا.
توضيحه أن الوجوب إذا تعلق بفعل فان كان الوجوب مطلقا فذات الفعل يتصف بعنوان الواجب مطلقا وإن كان مقيدا فذات الفعل يتصف بعنوان الواجب مقيدا ضرورة عدم معقولية انفكاك مبدء العنوان ونفس العنوان في الاطلاق والتقييد ولأجله لا يقع الفعل خارجا على صفة المطلوبية إلا بعد حصول قيد الوجوب فتقيد المادة بما هي مطلوبة بقيد الطلب تبعي قهري لا ابتدائي ليرد المحاذير المتقدمة أو ينافي لا بشرطية ذات المادة في مرتبة موضوعيتها نعم يمنع عن سريان الحكم إلى المادة بجميع أطوارها.
وما ذكرناه لا ينافي إمكان الإطلاق من هذه الجهة حتى ينافي تقييدها إذ كما كان تقييد الوجوب ممكنا لامكان جعله لا على تقدير كذلك جعل المادة بما هي واجبة مطلقا ممكن بامكان جعل الوجوب مطلقا فيمكن تقييدها بما هي واجبة بامكان تقييد الوجوب الذي هو مبدأ العنوان فتوهم استحالة التقييد لاستحالة الإطلاق مدفوع بما هي واجبة بإمكان تقييد الوجوب الذي هو مبدأ العنوان فتوهم استحالة التقييد لاستحالة الاطلاق مدفوع بما عرفت إلا أن هذا التقييد التبعي القهري بعد إصلاحه بما عرفت لا يجدي في مقام الرجوع إلى أصالة إطلاق الهيأة نظرا إلى أن تقييد المادة متيقن فلا أصالة إطلاق فيها كي