" تضاد الأحكام الخمسة غير الوجوب والاستحباب " قوله: غير الوجوب والاستحباب الخ: لا يخفى عليك أن الوجوب و الاستحباب ربما يراد منهما الانشاء بداعي البعث المنبعث عن مصلحة ملزمة أو غير ملزمة فلا شبهة في أنما متبائنان عقلا وعرفا فإنهما نحوان من البعث الانتزاعي من منشأ مخصوص، وإن التفاوت بالشدة والضعف غير جار في الأمور الاعتبارية، وربما يراد منهما الإرادة الحتمية والندبية فعلى المشهور هما مرتبتان من الإرادة وهي نوع واحد لا تفاوت بين الشديدة والضعيفة منها في النوعية بل في الوجود على التحقيق، وكما أن البياض الشديد إذا زالت شدته و بقي بمرتبة ضعيفة منه لا يعد وجودا آخر لا عقلا ولا عرفا بل وجود واحد زالت صفته فكذا الإرادة الشديدة والضعيفة والتفاوت في لحاظ العقل والعرف انما نشأ من الخلط بين الأمر الانتزاعي الكيف النفساني، هذا إلا أن القابل للاستصحاب هو الحكم بالمعنى الأول فإنه المجعول القابل لجعل مماثله وأما الإرادة والكراهة فهما صفتان نفسيتان لا أمران جعليان.
نعم لو رتب على الإرادة اثر شرعي صح التعبد بها بلحاظ أثرها لكن ليس البعث المنبعث منها أثرا مترتبا عليها شرعا بل ترتبه عليها من باب ترتب المعلول على علته عقلا، وإن كان ذات المترتب شرعيا فليس البعث بالإضافة إلى الإرادة كالحكم بالإضافة إلى موضوعه وعنوان العلية وعنوان المعلولية وإن كانا متضائفين ويصح عند التعبد بأحدهما ترتيب الأثر على الاخر إلا أن ذات الإرادة والبعث ليسا متضائفين حتى يكون التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر.
نعم لو كان دليل الاستصحاب لتنجيز الواقع لا لجعل الحكم المماثل صح استصحاب الإرادة لأن اليقين بها كما يكون منجزا لها حدوثا يكون بحكم الاستصحاب منجزا لها بقاء وتنجيز الإرادة حدوثا وبقاء، وترتب استحقاق العقوبة على مخالفتها على تقديره مصادفتها أمر معقول.