لأنا نقول: الانشاء بداعي البعث وإن كان واحدا وهو موجود من أول الوقت لكن بلحاظ تعلقه بأمر مستمر أو بأمر تدريجي الحصول كأنه منبسط على ذلك المستمر، أو التدريجي فله اقتضاءات متعاقبة بكل اقتضاء يكون بالحقيقة بعثا إلى ذلك الجزء من الأمر المستمر أو المركب التدريجي، فهو ليس مقتضيا بالفعل لتمام ذلك الأمر المستمر أو المركب بل يقتضي شيئا فشيئا.
ولا يخفى عليك الفرق بين الإرادة التشريعية والتكوينية في إمكان انبعاث الإرادة إلى المقدمات في الثانية قبل تمامية الإرادة بالنسبة إلى المراد المتأخر و لو كان تأخره لأجل تقيده بزمان متأخر دون الإرادة التشريعية مع أن البعث بنفسه مقدمة لحصول فعل الغير، ولا فرق في إمكان تعلق الإرادة بالمقدمة قبل إرادة ذيها بين مقدمة ومقدمة، والفارق أن البعث أنما يكون مقدمة لحصول فعل الغير إمكانا إذا ترتب عليه الانبعاث وخرج من حد الامكان إلى الوجوب بتمكين المكلف به، وانقياده وحيث إنه متقيد بزمان متأخر غير حالي فلا يعقل الانبعاث فكذا البعث فلا مقدمية للبعث إلا في صورة اتصافه بامكان الباعثية نحو الفعل فعلا، وفي مثله يصح تعلق الإرادة به من قبل إرادة فعل الغير اختيارا، ومن جميع ما ذكرنا اتضح أنه لا يعقل تعلق الإرادة بحدها بأمر استقبالي، وكذا تعلق البعث به.
قوله: وقد غفل عن أن كونه محركا نحوه يختلف الخ: قد عرفت مما مر انفا أن الشوق إلى كل شئ يحرك العضلات نحوه بحده، ولا يعقل أن يتعلق الشوق بشئ، وتكون الحركة إلى غيره وإن كان من مقدماته.
نعم ينبعث من هذا الشوق شوق إلى مقدماته لأنها وإن لم تكن ملائمة للنفس بنفسها إلا أنها ملائمة لها بتبع ملائمة ذيها.
فان قلت: لو تم هذا لتم في غير الأفعال التوليدية حيث أنه لابد فيها من إرادة محركة للعضلات زيادة على وجود المقدمات.
وأما الافعال التوليدية فهي تحصل بعد وجود مقدماتها قهرا بلا إرادة متعلقة