نهاية الدراية في شرح الكفاية - الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهانى - ج ١ - الصفحة ٦٥٥
مختلف.
لأنا نقول: العبرة بالمراد الجدي ولا شك في أنه البعض على أي حال، و المراد بالاستعمالي أنما يكون حجة على المراد الجدي إذا لم يعلم خلافه، ولا يخفي أن ما ذكر في جانب أصالة الظهور من حيث الاسناد أو من حيث عدم الاستخدام غير جار في أصالة العموم فان تعين بعض افراد العموم للمرجعية حقيقة لا يوجب تعين إرادة البعض من حيث حكم العام المرتب عليه بنفسه كما هو ظاهر لمن تأمل ولعله أشار إلى بعض ما ذكرنا بقوله - ره - فافهم.
قوله: قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم الخ: لا يخفى أن المفهوم وإن كان (1) معنى لازما لمعنى عقلا كما في الموافق أو عرفا كما في

1 - لا بأس بتوضيح المقام فنقول الفرق بين مفهوم المخالفة والموافقة في مرحلة الاستلزام أن المنطوق في الأول مشتمل على حيثية تلك الحيثية لازمها عقلا معنى من المعاني كاشتماله على العلمية المنحصرة التي لازمها الانتفاء عند الانتفاء فلا بتوسط بين ذلك اللازم العقلي والملزوم الكلامي اللفظي شئ والمنطوق في الثاني مشتمل على ملاك الحكم فقط وليس هو بنفسه مستلزما لثبوت الحكم بالمساواة ولا بالأولية لموضوع إلا بتوسط أمر خارج وهو كون الموضوع الاخر ذا ملاك مساو أو ذا ملاك أقوى فيلزمه ترتب الحكم المماثل أو بوجه أولى وحكم العرف في مثل تحريم آلاف بتحريم الضرب الفحوى لا بما هم أهل المحاورة بل بما هم عقلا مدركون الأقوائية الملاك فيحكمون بأولوية الضرب بالمحرمة.
ثم أن مفهوم الموافقة بالمساواة يتحقق بأحد أمرين إما بأن يقال " الخمر حرام فإنه مسكر " أو يقال " الخمر حرام لاسكاره " وربما يفصل بين التعبيرين فيجعل الأول مقتضيا للمفهوم بالمساواة دون الثاني نظرا إلى أن العنوان الدال على الملاك في الأول واسطة في العروض، وفى الثاني وساطة في الثبوت لكون الأول موضوعا للحكم فيسري الحكم إلى جميع أفراده دون الثاني فإنه حيثية تعليلية للحكم ومن الدواعي إلى جعله فلعله يكون لموضوعه خصوصية مقتضية لتلك الحيثية.
ويندفع: بأن وسائط الثبوت في المقام إما هو السبب الفاعلي للحكم أو شرط تأثير المصلحة والمفسدة أو نفس تلك المصلحة والمفسدة اللتين هما علة غائية للحكم ومن الواضح أن السبب الجاعل للحكم هو الشارع فهو أجنبي عما نحن فيه، والشرط بمعنى مصحح فاعلية الفاعل من تصوره وتصديقه وقدرته وإرادته لا يتفاوت في لزومه مورد عن مورد والشرط بمعنى متمم قابلية القابل لتعلق الحكم به أمر معقول يختلف الموارد بالإضافة إليه ومن الواضح أن مجردة وجود الشرط بهذا المعنى في مورد لا يقتضى سراية الحكم إليه بل اللازم وجود ذات القابل التي هي بمنزلة المقتضى لتلك المصلحة المنوطة فعليتها بالشرط وأما العلة الغائية فمع فرض ترتبها على مورد آخر فلا محال يترتب عليها معلولها بداهة أن المعلول لا ينفك عن علته التامة والمفروض أن الاسكار بما هو علة غائية أو لازم مساو لها لا هو بضميمة بشئ آخر فالغرض من إخراج الواسطة في الثبوت هنا إن كان مثل الشرط كما مر فهو صحيح وإن كان مثل العلة الغائية فهو غير صحيح إذا الحكم كما يسرى بسريان موضوعه كك يسرى بسريان علته وفرض الضميمة للغاية ولو أضافها إلى الخمر خلف إذ الظاهر أن غير الخمر مسكر أيضا وأن الاسكار في غير الخمر موجود وإضافة العنوان إلى المعنون كما لا تقتضي أن يكون العنوان عنوانا مساويا لا يتعداه كك إضافة الغاية إلى ذيها لا يقتضى أن يكون الغاية لازما مساويا لذيها بحيث لا يتعداه ومن الواضح أن لسان " لا تشرب الخمر لاسكاره " لسان العلة الغائية لا لسان الإناطة والشرطية فيفارق مثل قوله " لا تشرب الخمر إذا أسكر " مضافا إلى أن مفهوم المساواة بحسب الاصطلاح لا يكون إلا لمثل قوله " لا تشرب الخمر لاسكاره " حيث أن لازم كونه علة حرمة الفقاع أيضا لوجود الملاك المساوي لملاك الخمر فيه وأما مثل قوله " لا تشرب الخمر فإنه مسكر " فمقتضاه من حيث تحريم الخمر للاندراج تحت عنوان المسكر تحريم هذا العنوان وتحريم هذا العنوان الملاكي ليس تحريما بعنوان وجود الملاك فيه بل هو تحريم عنوان مأخود من الملاك وأما انطباق حرمة العنوان على الفقاع وغيره فليس من باب المفهوم لوضوح أن انطباق الحكم المرتب على الطبيعي أو على العنوان الكلى على مصاديقه ومعنوناته ليس من المفهوم بل عين تطبيق المنطوق.
ثم أن المعارضة البحوث عنها هنا لا بد من تمحضها بين العام والمفهوم بما هو فلا محالة لا تعارض بالذات بين المنطوق والعام حتى تخرج عن عنوان تعارض العموم والخصوص بل يتعارض المنطوق والعام بالعرض بملاحظة اشتمال المنطوق على خصوصية مستلزمة لما ينافي العموم وحيث أن تلك الخصوصية ليس منافية مع العام بتعارض العام والخاص فلا موجب لتقديم المنطوق بقول مطلقا بل لا بد من إثبات مرجح له، وحيث أن المفهوم تابع للمنطوق ثبوتا وسقوطا فلا يمكن تقديمه على العام بلا تقديم منشائه كما لا يمكن تقديم العام عليه والغاء المفهوم بلا تصرف في منشائه لزوم التفكيك بين الملزوم ولازمه وهو محال بعد فرض الملازمة.
ولعل وجه تقديم مفهوم الموافقة بقول مطلقا على العام أن غاية ما يقتضيه المنطوق كون خصوصية خاصة ملاكا للحكم وهذا بنفسه ليس منافيا للعموم حتى يتصرف فيه وأما كون الشئ الفلاني ذا ملاك أقوى فلا موجب للتصرف فيه ومع عدم التصرف فيه وبقاء ظهوره في كون الخصوصية ملاكا لا يعقل التفكيك بينه وبين الحكم بوجه أولى فيما فيه ملاك أقوى وقريب منه المفهوم بالمساواة فإذا غاية ما يقتضيه المنطوق إن الاسكار مثلا ملاك الحرمة ولا يقتضى هذا وجود الملاك في الفقاع المقتضى لسريان الحكم بسريان ملاكه وعلته فتدبر جيدا.
وربما يدعى وجوب تقديم المفهوم المخالف على العموم وأنه حاكم ومعين لدائرة العموم ومصبه بتقريب أن اقتضاء القضية الشرطية مثلا للمفهوم من ناحية إطلاق الشرط وإنه لا ضميمة له ولا عدل له وإلا لزم العطف عليه بالواو في الأول، وبأو في الثاني، والعام لا يقتضى إثبات الضميمة ولا إثبات العدل والبدل وقد مر في بعض الهوامش المتعلقة بمفهوم الشرط ما يتعلق بهذا التقريب من النقض والإبرام فراجع.
(٦٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 650 651 652 653 654 655 657 658 659 661 662 ... » »»
الفهرست