نهاية الدراية في شرح الكفاية - الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهانى - ج ١ - الصفحة ٣٧٣
قوله: لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الأمر الخ: توضيحه (1)
1 - لا يخفي أن القول بالثواب والعقاب تارة بملاحظة جعل الشارع، وأخرى بملاحظة حكم العقل، وثالثة بملاحظة العلاقة اللزومية بين الفعل وما يترتب عليه من المثوبة والعقوبة.
أما الأول فتقريبه أن قاعدة اللطف كما تقتضي إعلام العباد بما فيه الصلاح أو الفساد بالبعث نحو الأول والزجر عن الثاني كذلك تقتضي تأكيد الدعوة في نفوس العامة بجعل الثواب والعقاب فالعبد بعلمه يستحق ما جعله المولى من المثوبة والعقوبة بحقيقة معنى الاستحقاق.
وأما الثاني فبما ذكرناه في متن الحاشية فالاستحقاق فيه ثوابا وعقابا كالاستحقاق مدحا وذما راجع إلى أن الفعل بحيث يكون المدح والثواب أو الذم والعقاب من المولى أو العقلاء في محله لا أنه يملك الشخص على المولى أو العقلاء ثوابا وأجرا ومدحا والاستحقاق بمعنى أنه حقيق بالمدح والاجر لا ينافي التفضل إذ كل إفاضة من المبدأ الاعلى أجواد بذاته سواء كان بإيجاد الشخص أو رزقه أو إعلامه بصلاحه وفساده أو إعطاء الثواب على عمله بمقتضى جوده الذاتي لا باقتضاء من طرف القابل وإن كان قبول المورد في فعلية الإضافة لازما.
وأما دعوى أن الإطاعة لازمة من العبد (كما في التقرير) أداء لحقوق المولوية لئلا يكون ظالما لمولاه فهي من باب دفع الظلم من نفسه فلا يستحق عوضا من مولاه (فمدفوعة) بأنها أخص من المدعي لاختصاصها بالواجبات التي يكون تركها ظلما على المولى ولا يعم المستحبات فإنها لا يكون تركها ظلما، وقد مر في البحث عن التعبدي والتوصلي أن ما يوجب الثواب هو انطباق العنوان الحسن على الفعل وما يوجب العقاب انطباق العنوان القبيح على تركه ففي اقتضاء المدح والثواب بالمعنى المتقدم لا فرق بين الواجب والمستحب.
كما أن تنظير المقام بالتوبة وإن التائب لا يستحق العفو وإن العفو من باب التفضل لأن التوبة من جملة الواجبات في حقه ويكون ظالما على تركها فالتوبة لدفع الظلم عن نفسه فكيف يستحق العفو من الله (مدفوع) بأن وجوب التوبة إما عقلي أو شرعي ولا مدرك لكونه عقليا إلا كونه دافعا للضرر الأخروي المرتب على عصيانه فيجب، وهذا إلتزام بأن التوبة دافعة للعقاب، مع أن تطبيق قاعدة التحسين والتقبيح العقليين على دفع الضرر الأخروي مخدوش بما فصلناه في محله، ولا مدرك لكونه شرعيا إذ التوبة وهي الرجوع إذا أريد منه الرجوع العملي بالتجنب عن العصيان فعلا أو تركا فهو بنفسه واجب من دون ملاحظة عنوان التوبة، وإذا أريد منه الرجوع الجناني وهو العزم على العدم الملازم للندم فهو ما لا دليل على وجوبه مولويا فان العزم على فعل المعصية ليس بحرام حتى يكون العزم على العدم لازما بل المحرم نفس فعل المعصية فالتحقيق أن التوبة من حيث أنها دافعة للعقاب كما بيناه في محله جبلي فطري لا شرعي ولا عقلي وما ورد من الشارع ليس إيجابا منه بل إرشاد إلى دفع العقاب عن نفسه بالرجوع إليه تعالى وبقية الكلام في محله.
وأما الثالث فقد أشرنا سابقا في بحث الطلب والإرادة والاستحقاق حينئذ بمعنى اقتضاء المادة القابلة لإفاضة الصورة فكما نعبر في المادة الدنيوية وصورها بأن المادة الكذائية بعد تمام قابليتها مستعدة ومستحقة لإفاضة صورة كذائية كذلك الصور الدنيوية مواد للصور الأخروية فصح التعبير بالاستحقاق أيضا.
ومما ذكرنا تبين أنه لا مجال للاستحقاق الثواب والعقاب بناء على المبني الأول والأخير في الواجبات الغيرية حيث لا غرض للمولى فيها ولا فيها غرض يعود إلى العبد ولا فيها خصوصية بتلك الخصوصية تكون مادة لصورة أخروية وإنما النزاع فيها يجري على المبني الثاني بتوهم أنه إذا أتى بها بداعي أو أمرها تكون معنونة بعنوان حسن يمدح عليها عقلا فيثاب عليها شرعا (منه).