نهاية الدراية في شرح الكفاية - الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهانى - ج ١ - الصفحة ٢٠٨
ويحدث فيها الآلام الجسمانية من غلبة الدم ونحوه عند الغضب وشبهه فلا مانع من حدوث منافرات روحانية وجسمانية بواسطة الملكات الرذيلة النفسانية المضادة لجوهر النفس فليس عقاب من معاقب خارجي حتى يقال كيف العقاب من الحكيم المختار على ما لا يكون بالآخرة بالاختيار، وفى الآيات والروايات تصريحات وتلويحات إلى ذلك فقد تكرر في القرآن المجيد * (انما تجزون ما كنتم تعلمون (1)) * وقال عليه السلام " إنما هي أعمالكم ترد إليكم (2) " فراجع.
وثانيهما: المثوبة والعقوبة من مثيب ومعاقب خارجي، وهذه المثوبة والعقوبة هو الذي ورد به ظاهر التنزيل فقصرهما على الأول خلاف ظواهر الكتاب والسنة، وتصحيحهما بعد صحة التكليف بذلك المقدار من الاختيار في غاية السهولة إذ كما أن المولى العرفي له مؤاخذة عبده إذا أمره فخالفه كذلك مولى الموالى إذ لو كان الفعل بمجرد استناده إلى الواجب تعالى غير اختياري وغير مصحح للمؤاخذة لما صحت مؤاخذة المولى العرفي أيضا، وإذا كان الفعل في حد ذاته قابلا للمؤاخذة عليه تكون المؤاخذ ممن إنتهت إليه سلسلة الإرادة والاختيار لا يوجب إنقلاب الفعل عما هو عليه من القابلية للمؤاخذة ممن خولف أمره ونهيه.
والتحقيق أن الأشكال إن كان في استحقاق العقاب على مثل هذا الفعل المنتهى إلى ما لا بالاختيار.
فالجواب عنه: بترتب العقاب من باب الملازمة بينه وبين المعصية وأنها كالمادة للصورة لمنافرة في الآخرة، أجنبي عن مبنى الأشكال بل المناسب لهذا المبنى هو الوجه الثاني وإن كان الأشكال في فعلية العقاب ولو مع ثبوت الاستحقاق واختيارية الفعل حقيقة من حيث استحالة التشفي فالجواب بأن

١ - التحريم: ٧.
2 - بحار الأنوار - ج 3 ص 90 استشهد الإمام الصادق (ع) للمفضل بهذا الحديث المنقول عن رسول الله (ص).
هذا الجواب مبنى على ما يناسب طريقة المتكلمين إلا أنه باطل على مذاق أهل المعرفة أما وجه بطلانه فلان ما تصحيحه من جعل العقاب حفظا للنظام إنما يناسب حفظ نظام الاجتماع البشرى فان جعل الجزاء لا يطلب منه إلا حفظ النظام الاجتماعي واجرائه أيضا بهذه الغاية لئلا يرتكب المجرم ثانيا ولئلا يتجرأ على مثله غيره ومثال هذه النتيجة لا يرقب في الآخرة حتى يكون العقاب لهذه الغاية مع أن جعل العقاب على عمل في الآخرة الإلتزام بفعل اختياري في الآخرة لغرض لا محالة ومن المستهجن المستقبح جدا الالتزام بإجراء العقاب في الآخرة تصديقا لهذا الالتزام الذي لا سبب له غيره بل التحقيق أن هذا الجعل وذاك الإجراء في الدار الآخرة كساير الإيجادات منه تعالى فإنه تعالى هو غاية الغايات ومعروفية ذاته بتمام أسمائه وصفاته هي الغاية لجميع أفعاله التي هي أنواع تجلياته وظهوراته فظهور اسم الهادي والمرشد والدليل هو المقتضى لجعل الأحكام وتأكيد الدعوة بحكمته وعنايته هو المقتضى لجعل العقاب وكونه عادلا وشديد العقاب هو المقتضى لاجراء العقاب فتفطن (منه) (خ).
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»
الفهرست