المباركة بوجهين أحدهما أن العلة الفاعلية ذات المباشر بإرادته وهي العلة القريبة، ووجوده وقدرته وعلمه وإرادته لها دخل في فاعلية الفاعل الفاعل ومعطى هذه الأمور هو الواجب تعالى فهو الفاعل البعيد فمن قصر النظر على الأول حكم بالتفويض ومن قصر النظر على الثاني حكم بالجبر، والناقد البصير ينبغي أن يكون ذا عينين فيرى الأول فلا يحكم بالجبر، ويرى الثاني فلا يحكم بالتفويض.
وثانيهما ما هو أدق وأقرب للتوحيد فان الموحد كما يجب أن يكون موحدا في الذات والصفات كذلك يجب أن يكون موحدا في الأفعال، وملخص هذا الوجه أن الإيجاد يدور مدار الوجود في وحدة الانتساب وتعدده، وفى الاستقلال وعدمه فلابد هيهنا من بيان أمرين أحدهما: بيان كيفية استقلال الوجود وعدمه، وتعدد الانتساب وعدمه، ثانيهما: تبعية الإيجاد للوجود فيما ذكر.
أما الأول فمجمل القول فيه أنه قد تقرر في مقره أن المجعول بالذات هو الوجود المنبسط المجعول، والمعلول بالذات حيثية ذاته حيثية المجعولية والمعلولية والارتباط لا أن هناك شيئا له المجعولية، والربط، والبرهان عليه أن كل ما كان بذاته مطابقا لمحمول اشتقاقي فهو مصداق لمبدئه أيضا، وإلا لزم مصداقيته له في المرتبة المتأخرة عن ذاته وهو خلف، وهذا معنى عدم الاستقلال في الوجود حيث أن الوجود المفروض حينئذ عين الربط ومحض الفقر وهذا الوجه المطلق المنبسط على هياكل الماهيات والمتحد مع مراتب الموجودات بما هو عين كل مرتبة بلحاظ إطلاقه ولا بشرطية له إنتسابان إلى الفاعل بالوجوب وهو بهذا الاعتبار فعله تعالى وصنعه تعالى ومشيته الفعلية وإلى القابل بالإمكان وهو بهذا الاعتبار وجود زيد وعمرو وبكر إلى غير ذلك من الموجودات المحدودة والماهيات.
وأما الأمر الثاني: فمختصر الكلام فيه أن الوجود المجعول بالذات بعد ما كانت حيثية ذاته حيثية الربط والفقر فلابد من أن يكون أثره كذلك وإلا لأنقلب