وإيكاله إلى نفسه وهواه الموجب لوقوعه فيها أولى من جعل يوجب وقوعه في العقاب الأخر، وأيضا فجعل العقاب مقدمة لحفظ العبد عن الوقوع في المفسدة أنما يكون إحسانا تعبد إذا لم يستلزم ما هو أعظم من وقوعه في المفسدة.
فالتحقيق أن مصلحة التخويف العام حفظ النظام، والحكيم يراعى المصلحة العامة الكلية فكما لولا تخويف من يرتدع حقيقة بالردع لما ارتدع فلم يبق نظام الكل محفوظا كذلك. لو احتمل المجرم بما هو مجرم أنه لا يعذب فعموم التخويف والترهيب مما له دخل في حفظ النظام الذي لا أتم منه نظام.
ومنه ظهر أن المصلحة الداعية إلى التخويف ليست مجرد حفظ العبد عن الوقوع في المفسدة وإن كانت من الفوائد أحيانا حتى يقال بأنه لا يقاوم مفسدة الوقوع في العذاب الدائم بل حفظ النظام الذي لا يزاحمه شئ أبدا فليس للمجرم حجة على الله تعالى لأقدامه على الضرر بإرادته ولا لأحد حجة عليه تعالى من جهة جعل العقاب لاقتضاء المصلحة الغير المزاحمة بشئ.
ومن هنا اتضح سر التكليف والتخويف مع القطع بعدم التأثير حيث أن المقدمة وإن كان شأنها إمكان التوصل بها لكن إيجادها مع القطع بعدم الموصلية لغو جزما، وإن لم يسقط عن المقدمية إلا أن بعد ما عرفت أن الداعي الحقيقي حفظ النظام وهو مترتب على عموم التخويف والالزام فلا مجال للأشكال، غاية الأمر أن ارتداع النفوس الطاهرة من الفوائد كما أن كونه (1) حجة لله على النفوس الخبيثة من الفوائد، وهذا معنى تسجيلية أو أمر العصاة والكافر. فافهم واستقم.
الثاني: أن المخالفة والعصيان تقتضي استحقاق العقاب عقلا فالعقل هو المخوف على المخالفة، واختيار العقاب فيما لا مانع منه من توبة أو شفاعة مثلا مما تقتضيه الحكمة الإلهية والسنة الربانية لعين ما ذكرناه في جعل العقاب، غاية الأمران للشارع الاكتفاء في التخويف بتخويف العقل من دون حاجة إلى جعل العقاب فما ورد من التصريح بالعقاب على المخالفة ليس تعهدا للعقاب بل