العلم الأزلي الرباني بتبع العلم بالوجودات، أو بتبع الصفات والأسماء كما لهجت (1) به ألسنة العرفاء غاية الأمر أن العلم في مرتبة الذات، والمعلوم في المرتبة المتأخرة إذ لا يعقل أن يكون لنفس الماهية طريق في مرتبة وجود العالم وإلا لأنقلب ما حيثية ذاته حيثية طرد العدم إلى ما لا يأبى عن الوجود والعدم.
الثالثة: أن سنخ الوجود كما برهن عليه في محله هو المجعول بالأصالة وبالذات، والماهية مجعولة بالتبع وبالعرض، وإلا فوجدان الماهية لذاتها وذاتياتها ولوازمها غير محتاج إلى جعل وتأثير، ولا يعقل الجعل بين الشئ ونفسه، ولا بينه وبين لوازمه.
الرابعة: كل ما أمكن وجوده بالذات وجب وجوده إلا إذا توقف على ممتنع بالذات إذ لا نقص في طرف علة العلل من حيث المبدئية والعلية فلا بد من أن يكون النقص إما في المعلول، والمفروض إمكانه، أو في الوسائط من الأسباب والشرائط فالنقص المانع ليس إلا امتناعها الذاتي وإلا فيجرى في تلك الواسطة هذا البيان فاحتفظ به واغتنم.
إذا تمهدت هذه المقدمات وتدبرت فيها حق التدبر تعرف أن تفاوت الماهيات الجنسية والنوعية، والصنفية والشخصية في أنفسها ولوازمها بنفس ذواتها لا بجعل جاعل، وتأثير مؤثر " فمنهم شقي ومنهم سعيد " بنفس ذاته وما هويته، وحيث كانت الماهيات موجدة في العلم الأزلي وطلبت بلسان حال استعدادها الدخول في دار الوجود، وكان الواهب الجواد فياضا بذاته، غنيا بنفسه فيجب عليه إفاضة الوجود، ويمتنع عليه الأمساك عن الجود، وحيث أن الجود بمقدار قبول القابل، وعلى طبق حال السائل كانت الإفاضة عدلا وصوابا إذا لشئ لا ينافي مقتضاه فإفاضة الوجود على الماهيات كائنة ما كانت إفاضة على ما لا يلائم الشئ حيث أن الشئ يلائم ذاته، وذاتياته، ولوازمه، وقياسه بإجابة لسفيه قياس باطل إذ السفيه ربما يطلب ما ينافي ذاته فأجابته خلاف الحكمة