في الحكمة الإلهية، فان أخلاف الميعاد مناف للحكمة موجب لعدم ارتداع النفوس من التوعيد والتخويف، وهذا الوجه ذكره الشيخ الرئيس في الإشارات (1) على ما هو يبالي، وغيره من غيرها لكن الكلام في أصل التخويف والتوعيد، إذ أي موجب لهما عقلا حتى يجيب ايفائهما وإحقاقهما وصححه بعض أجلة العصر بأن أصل التخويف والتوعيد وإن كان بنفسه تعهد إيذاء الغير إلا أن ذلك من باب دفع الأمد بالفاسد، وهو دفع وقوع العبد في المفسدة، أو فوت المصلحة عنه بالتخويف والتوعيد المقضيين لترتب العقاب على ما اختاره العبد من المعاصي والمآثم.
وأنت خبير بأن مفسدة نفس التوعيد وهي تخويف الغير وإدغامه وإن كانت جزئية لا تقاوم، ومفسدة الزنا مثلا لكن لازم هذا الجعل والتوعيد وهو وقوع العبد في العذاب الأخروي أعظم بمراتب من وقوعه في المفسدة الدنيوية، ومن فوت المصلحة الدنيوية عنه فكيف يكون من باب دفع الأفسد بالفاسد بل الأمر بلحاظ لازمه بالعكس، وكون الإثم والعصيان باختيار المكلف لا دخل له في هذه المرحلة فإنه يصحح جعل الضرر من الغير أولا فلكل واحد جعل الضرر على عباد الله بل جعل الضرر أنما يصح إذا كان بعد الكسر والانكسار حسنا وواجبا في الحكمة وقد عرفت أن مفسدة جعله أعظم من مفسدة تركه إذ لو لم يكن تخويف وتوعيد بالنسبة إلى هذا العاصي لم يكن في الخارج إلا وقوعه في مفسدة دنيوية،