مفتنون مبتلون من مؤمن أو كافر، وصالح أو طالح، ونبي أو من دونه، فهي سنة جارية لا يستثنى منها أحد.
فقد بان أن سنة الامتحان سنة إلهية جارية، وهي سنة عملية متكئة على سنة أخرى تكوينية، وهي سنة الهداية العامة الإلهية من حيث تعلقها بالمكلفين كالإنسان وما يتقدمها وما يتأخر عنها أعني القدر والأجل كما مر بيانه.
ومن هنا يظهر أنها غير قابلة للنسخ، فإن انتساخها عين فساد التكوين وهو محال، ويشير إلى ذلك ما يدل من الآيات على كون الخلقة على الحق، وما يدل على كون البعث حقا، كقوله تعالى: * (ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) * (1) وقوله تعالى:
* (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) * (2) وقوله تعالى: * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون) * (3) وقوله تعالى: * (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت) * (4) إلى غيرها، فإن جميعها تدل على أن الخلقة بالحق وليست باطلة مقطوعة عن الغاية، وإذا كانت أمام الأشياء غايات وآجال حقة ومن ورائها مقادير حقة ومعها هداية حقة فلا مناص عن تصادمها عامة، وابتلاء أرباب التكليف منها خاصة بأمور يخرج بالاتصال بها ما في قوتها - من الكمال والنقص والسعادة والشقاء - إلى الفعل، وهذا المعنى في الإنسان المكلف بتكليف الدين امتحان وابتلاء، فافهم ذلك.
ويظهر مما ذكرناه معنى المحق والتمحيص أيضا، فإن الامتحان إذا ورد على المؤمن فأوجب امتياز فضائله الكامنة من الرذائل، أو ورد على الجماعة فاقتضى امتياز المؤمنين من المنافقين والذين في قلوبهم مرض، صدق عليه اسم التمحيص وهو التمييز.
وكذا إذا توالت الامتحانات الإلهية على الكافر والمنافق وفي ظاهرهما صفات وأحوال حسنة مغبوطة فأوجبت تدريجا ظهور ما في باطنهما من الخبائث، وكلما ظهرت خبيثة أزالت فضيلة ظاهرية كان ذلك محقا له أي إنفادا تدريجيا لمحاسنها، قال تعالى: * (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) * (5).
وللكافرين محق آخر من جهة ما يخبره تعالى أن الكون ينساق إلى صلاح البشر وخلوص الدين لله، قال تعالى: * (والعاقبة للتقوى) * (6) وقال: * (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) * (7) (8).