الأعراف إن شاء الله تعالى.
وأما المؤمن الذي رسخ في قلبه الإيمان، فما تظهر منه من الطاعات والعبادات وكذا الحوادث التي تستقبله فيظهر منه عندها ذلك، ينطبق عليها مفهوم التوفيق والولاية الإلهية والهداية بالمعنى الأخص نوع انطباق، قال تعالى: * (والله يؤيد بنصره من يشاء) * (1) وقال: * (والله ولي المؤمنين) * (2) وقال: * (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) * (3) وقال: * (يهديهم ربهم بإيمانهم) * (4) وقال: * (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) * (5)، هذا إذا نسبت هذه الأمور إلى الله سبحانه، وأما إذا نسبت إلى الملائكة فتسمى تأييدا وتسديدا منهم، قال تعالى: * (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) * (6).
ثم إنه كما أن الهداية العامة تصاحب الأشياء من بدء كونها إلى آخر أحيان وجودها ما دامت سالكة سبيل الرجوع إلى الله سبحانه كذلك المقادير تدفعها من ورائها كما هو ظاهر قوله تعالى: * (والذي قدر فهدى) * (7)، فإن المقادير التي تحملها العلل والأسباب المحتفة بوجود الشئ هي التي تحول الشئ من حال أولى إلى حال ثانية وهلم جرا، فهي لا تزال تدفع الأشياء من ورائها.
وكما أن المقادير تدفعها من ورائها كذلك الآجال - وهي آخر ما ينتهي إليه وجود الأشياء - تجذبها من أمامها، كما يدل عليه قوله تعالى:
* (ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون) * (8) فإن الآية تربط الأشياء بغاياتها وهي الآجال، والشيئان المرتبطان إذا قوي أحدهما على الآخر كان حاله بالنسبة إلى قرينه هو المسمى جذبا، والآجال المسماة أمور ثابتة غير متغيرة، فهي تجذب الأشياء من أمامها وهو ظاهر.
فالأشياء محاطة بقوى إلهية: قوة تدفعها، وقوة تجذبها، وقوة تصاحبها وتربيها، وهي القوى الأصلية التي تثبتها القرآن الكريم غير القوى الحافظة والرقباء والقرناء كالملائكة والشياطين وغير ذلك.
ثم إنا نسمي نوع التصرفات في الشئ - إذا قصد به مقصد لا يظهر حاله بالنسبة إليه هل له صلوحه أوليس له؟ بالامتحان والاختبار، فإنك إذا جهلت حال الشئ أنه هل يصلح لأمر كذا أو لا يصلح، أو علمت باطن أمره ولكن أردت أن يظهر منه ذلك، أوردت عليه أشياء مما يلائم المقصد المذكور حتى يظهر حاله بذلك هل يقبلها لنفسه أو يدفعها عن نفسه، وتسمى ذلك امتحانا واختبارا واستعلاما لحاله أو ما يقاربها من الألفاظ. وهذا المعنى بعينه ينطبق على التصرف