ويستفاد منه ومن نظائره أيضا:
أولا: أن الطريقة المرضية في حياة المرأة في الإسلام أن تشتغل بتدبير أمور المنزل الداخلية وتربية الأولاد، وهذه وإن كانت سنة مسنونة غير مفروضة لكن الترغيب والتحريض الندبي - والظرف ظرف الدين، والجو جو التقوى - وابتغاء مرضاة الله، وإيثار مثوبة الآخرة على عرض الدنيا، والتربية على الأخلاق الصالحة للنساء كالعفة والحياء ومحبة الأولاد، والتعلق بالحياة المنزلية، كانت تحفظ هذه السنة.
وكان الاشتغال بهذه الشؤون والاعتكاف على إحياء العواطف الطاهرة المودعة في وجودهن يشغلهن عن الورود في مجامع الرجال، واختلاطهن بهم في حدود ما أباح الله لهن، ويشهد بذلك بقاء هذه السنة بين المسلمين على ساقها قرونا كثيرة بعد ذلك حتى نفذ فيهن الاسترسال الغربي المسمى بحرية النساء في المجتمع، فجرت إليهن وإليهم هلاك الأخلاق وفساد الحياة وهم لا يشعرون، وسوف يعلمون، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتح الله عليهم بركات من السماء، وأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولكن كذبوا فاخذوا.
وثانيا: أن من السنة المفروضة في الإسلام منع النساء من القيام بأمر الجهاد كالقضاء والولاية.
وثالثا: أن الإسلام لم يهمل أمر هذه الحرمانات كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل الله دون أن تداركها وجبر كسرها بما يعادلها عنده بمزايا وفضائل فيها مفاخر حقيقية، كما أنه جعل حسن التبعل مثلا جهادا للمرأة، وهذه الصنائع والمكارم أوشك أن لا يكون لها عندنا - وظرفنا هذا الظرف الحيوي الفاسد - قدر، لكن الظرف الإسلامي الذي يقوم الأمور بقيمها الحقيقية، ويتنافس فيه في الفضائل الإنسانية المرضية عند الله سبحانه، وهو يقدرها حق قدرها، يقدر لسلوك كل إنسان مسلكه الذي ندب إليه، وللزومه الطريق الذي خط له من القيمة ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانية وتتوازن أعمالها، فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال والسماحة بدماء المهج - على ما فيه من الفضل - على لزوم المرأة وظيفتها في الزوجية، وكذا لافخار لوال يدير رحى المجتمع الحيوي، ولا لقاض يتكي على مسند القضاء، وهما منصبان ليس للمتقلد بهما في الدنيا - لو عمل فيما عمل بالحق وجرى فيما جرى على الحق - إلا تحمل أثقال الولاية والقضاء، والتعرض لمهالك ومخاطر تهددهما حينا بعد حين في حقوق من لا حامي له إلا رب العالمين - وإن ربك لبالمرصاد - فأي فخر لهؤلاء على من منعه الدين الورود موردهما، وخط له خطا وأشار إليه بلزومه وسلوكه؟!
فهذه المفاخر إنما يحييها ويقيم صلبها - بإيثار الناس لها - نوع المجتمع الذي يربي أجزاءه على ما يندب إليه من غير تناقض، واختلاف الشؤون الاجتماعية والأعمال الإنسانية بحسب اختلاف المجتمعات في أجوائها مما لا يسع أحدا إنكاره.