الإلهي بما يورده من الشرائع والحوادث الجارية على اولي الشعور والعقل من الأشياء كالإنسان، فإن هذه الأمور يظهر بها حال الإنسان بالنسبة إلى المقصد الذي يدعى إليه الإنسان بالدعوة الدينية، فهي امتحانات إلهية.
وإنما الفرق بين الامتحان الإلهي وما عندنا من الامتحان أنا لا نخلو غالبا عن الجهل بما في باطن الأشياء فنريد بالامتحان استعلام حالها المجهول لنا، والله سبحانه يمتنع عليه الجهل وعنده مفاتح الغيب. فالتربية العامة الإلهية للإنسان من جهة دعوته إلى حسن العاقبة والسعادة امتحان، لأنه يظهر ويتعين بها حال الشئ أنه من أهل أي الدارين دار الثواب أو دار العقاب؟.
ولذلك سمى الله تعالى هذا التصرف الإلهي من نفسه - أعني التشريع وتوجيه الحوادث - بلاء وابتلاء وفتنة، فقال بوجه عام: * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) * (1) وقال: * (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) * (2) وقال:
* (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) * (3) وكأنه يريد به ما يفصله قوله: * (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) * (4) وقال * (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) * (5) وقال:
* (ولكن ليبلو بعضكم ببعض) * (6) وقال: * (كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) * (7) وقال: * (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) * (8) وقال: * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) * (9).
وقال في مثل إبراهيم: * (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) * (10) وقال في قصة ذبح إسماعيل:
* (إن هذا لهو البلاء المبين) * (11) وقال في موسى:
* (وفتناك فتونا) * (12) إلى غير ذلك من الآيات.
والآيات كما ترى تعمم المحنة والبلاء لجميع ما يرتبط به الإنسان من وجوده وأجزاء وجوده كالسمع والبصر والحياة، والخارج من وجوده المرتبط به بنحو كالأولاد والأزواج والعشيرة والأصدقاء والمال والجاه وجميع ما ينتفع به نوع انتفاع، وكذا مقابلات هذه الأمور كالموت وسائر المصائب المتوجهة إليه، وبالجملة: الآيات تعد كل ما يرتبط به الإنسان من أجزاء العالم وأحوالها فتنة وبلاء من الله سبحانه بالنسبة إليه.
وفيها تعميم آخر من حيث الأفراد، فالكل