وأغراضها.
والذي يعطيه التدبر في الآيات أن المراد بالكلمة الطيبة - التي شبهت بشجرة طيبة من صفتها كذا وكذا - هو الاعتقاد الحق الثابت، فإنه تعالى يقول بعد وهو كالنتيجة المأخوذة من التمثيل: * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة...) * الآية والقول هي الكلمة ولا كل كلمة بما هي لفظ، بل بما هي معتمدة على اعتقاد وعزم يستقيم عليه الإنسان ولا يزيغ عنه عملا.
وقد تعرض تعالى لما يقرب من هذا المعنى في مواضع من كلامه كقوله: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون) * (1)، وقوله: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا) * (2)، وقوله: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل والصالح يرفعه) * (3).
وهذا القول والكلمة الطيبة هو الذي يرتب تعالى عليه تثبيته في الدنيا والآخرة أهله، وهم الذين آمنوا ثم يقابله بإضلال الظالمين، ويقابله بوجه آخر بشأن المشركين، وبهذا يظهر أن المراد بالممثل هو كلمة التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله حق شهادته.
فالقول بالوحدانية والاستقامة عليه هو حق القول الذي له أصل ثابت محفوظ عن كل تغير وزوال وبطلان وهو الله عز اسمه أو أرض الحقائق، وله فروع نشأت ونمت من غير عائق يعوقه عن ذلك من عقائد حقة فرعية وأخلاق زاكية وأعمال صالحة يحيى بها المؤمن حياته الطيبة ويعمر بها العالم الإنساني حق عمارته، وهي التي تلائم سير النظام الكوني الذي أدى إلى ظهور الإنسان بوجوده المفطور على الاعتقاد الحق والعمل الصالح.
والكمل من المؤمنين - وهم الذين قالوا:
ربنا الله ثم استقاموا فتحققوا بهذا القول الثابت والكلمة الطيبة - مثلهم كمثل قولهم الذي ثبتوا لا يزال الناس منتفعين بخيرات وجودهم ومنعمين ببركاتهم. وكذلك كل كلمة حقة وكل عمل صالح مثله هذا المثل، له أصل ثابت وفروع رشيده وثمرات طيبة مفيدة نافعة.
فالمثل المذكور في الآية يجري في الجميع كما يؤيده التعبير بكلمة طيبة بلفظ النكرة، غير أن المراد في الآية على ما يعطيه السياق هو أصل التوحيد الذي يتفرع عليه سائر الاعتقادات الحقة، وينمو عليه الأخلاق الزاكية وتنشأ منه الأعمال الصالحة.
ثم ختم الله سبحانه الآية بقوله: * (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) * ليتذكر به المتذكر أن لا محيص لمريد السعادة عن التحقق بكلمة التوحيد والاستقامة عليها (4).
(انظر) البحار: 24 / 136 باب 44.