كما تفعل بالفراس (1) كذلك تفعلون بالناس، فريقا تخطفون، وفريقا تخدعون، وفريقا تغدرون بهم (2).
- الإمام علي (عليه السلام) - يوما في مسجد الكوفة وعنده وجوه الناس -: أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن شديد، يعد فيه المحسن مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوا، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا.
والناس على أربعة أصناف:
منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلالة حده ونضيض وفره.
ومنهم المصلت بسيفه، المعلن بشره، والمجلب بخيله ورجله، قد أهلك نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب (3) يقوده، أو منبر يفرعه (4)، ولبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا ومما لك عند الله عوضا.
ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طأمن من شخصه، وقارب من خطوه، وشمر من ثوبه، وزخرف من نفسه للأمانة، واتخذ سر الله تعالى ذريعة إلى المعصية.
ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلى باسم القناعة، وتزين بلباس أهل الزهادة، وليس من ذلك في مراح ولا مغدي (5).
وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد ناء، وخائف مقموع، وساكت مكعوم (6)، وداع مخلص، وثكلان موجع، قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة فهم في بحر أجاج، أفواههم خامرة وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا، فلتكن الدنيا عندكم أصغر من حثالة (7) القرظ، وقراضة الجلم، واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم (8).
- الإمام الكاظم (عليه السلام) - لهشام بن الحكم وهو يعظه -: يا هشام! احذر هذه الدنيا، واحذر أهلها، فإن الناس فيها على أربعة أصناف: رجل متردي معانق لهواه، ومتعلم مقرئ [متقرئ - خ ل] كلما ازداد علما ازداد كبرا، يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يعظم ويوقر، وذو بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به فهو عاجز أو مغلوب،