كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم) *.
وسياق الآية الثانية يفيد أنها نزلت بعد الآية الأولى والآيات الأخيرة جميعا، لمكان قوله فيها: * (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) * فهي نازلة بعد الوقعة بزمان.
ثم الآيات الأخيرة تدل على أنهم كلموا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمر الأسرى وسألوه أن لا يقتلهم ويأخذ الفدية، وفيها عتابهم على ذلك، ثم تجويز أن يأكلوا مما غنموا، وكأنهم فهموا من ذلك أنهم يملكون الغنائم والأنفال على إبهام في أمره: هل يملكه جميع من حضر الوقعة أو بعضهم كالمقاتلين دون القاعدين مثلا؟ وهل يملكون ذلك بالسوية فيقسم بينهم كذلك، أو يختلفون فيه بالزيادة والنقيصة كأن يكون سهم الفرسان منها أزيد من المشاة؟ أو نحو ذلك.
وكان ذلك سبب التخاصم بينهم، فتشاجروا في الأمر ورفعوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزلت الآية الأولى: * (قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم...) * الآية، فخطأتهم الآية فيما زعموا أنهم مالكو الأنفال بما استفادوا من قوله: * (فكلوا مما غنمتم...) * الآية، وأقرت ملك الأنفال لله والرسول ونهتهم عن التخاصم والتشاجر، فلما انقطع بذلك تخاصمهم أرجعها النبي (صلى الله عليه وآله) إليهم، وقسمها بينهم بالسوية، وعزل السهم لعدة من أصحابه لم يحضروا الوقعة، ولم يقدم مقاتلا على قاعد، ولا فارسا على ماش، ثم نزلت الآية الثانية: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه...) * الآية بعد حين، فأخرج النبي (صلى الله عليه وآله) مما رد إليهم من السهام الخمس وبقي لهم الباقي. هذا ما يتحصل من انضمام الآيات المربوطة بالأنفال بعضها ببعض.
فقوله تعالى: * (يسألونك عن الأنفال) * يفيد بما ينضم إليه من قرائن السياق - أنهم سألوا النبي (صلى الله عليه وآله) عن حكم غنائم الحرب بعد ما زعموا أنهم يملكون الغنيمة، واختلفوا فيمن يملكها، أو في كيفية ملكها وانقسامها بينهم، أو فيهما معا، وتخاصموا في ذلك.
وقوله: * (قل الأنفال لله والرسول) * جواب عن مسألتهم، وفيه بيان أنهم لا يملكونها وإنما هي أنفال يملكها الله ورسوله، فيوضع حيثما أراد الله ورسوله، وقد قطع ذلك أصل ما نشب بينهم من الاختلاف والتخاصم.
ويظهر من هذا البيان أن الآية غير ناسخة لقوله تعالى: * (فكلوا مما غنمتم...) * إلى آخر الآية، وإنما تبين معناها بالتفسير، وأن قوله:
* (كلوا) * ليس بكناية عن ملكهم للغنيمة بحسب الأصل، وإنما المراد هو التصرف فيها والتمتع منها إلا أن يمتلكوا بقسمة النبي (صلى الله عليه وآله) إياها بينهم.
ويظهر أيضا أن قوله تعالى: * (واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى...) * الآية ليس بناسخ لقوله: * (قل الأنفال