به خصمه، والتفريع الذي في قوله: * (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) * يدل على أن الخصومة كانت في أمر الأنفال، ولازم ذلك أن يكون السؤال الواقع منهم المحكي في صدر الآية إنما وقع لقطع الخصومة، كأنهم تخاصموا في أمر الأنفال ثم راجعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسألونه عن حكمها لتنقطع بما يجيبه الخصومة وترتفع عما بينهم.
وهذا - كما ترى - يؤيد أولا القراءة المشهورة:
* (يسألونك عن الأنفال) * فإن السؤال إذا تعدى ب " عن " كان بمعنى استعلام الحكم والخبر، وأما إذا استعمل متعديا بنفسه كان بمعنى الاستعطاف، ولا يناسب المقام إلا المعنى الأول.
وثانيا: أن الأنفال بحسب المفهوم وإن كان يعم الغنيمة والفئ جميعا إلا أن مورد الآية هي الأنفال بمعنى غنائم الحرب لا غنائم غزوة بدر خاصة، إذ لا وجه للتخصيص فإنهم إذ تخاصموا في غنائم بدر لم يتخاصموا فيها لأنها غنائم بدر خاصة، بل لأنها غنائم مأخوذة من أعداء الدين في جهاد ديني، وهو ظاهر.
واختصاص الآية بحسب موردها بغنيمة الحرب لا يوجب تخصيص الحكم الوارد فيها بالمورد، فإن المورد لا يخصص، فإطلاق حكم الآية بالنسبة إلى كل ما يسمى بالنفل في محله، وهي تدل على أن الأنفال جميعا لله ولرسوله، لا يشارك الله ورسوله فيها أحد من المؤمنين سواء في ذلك الغنيمة والفئ.
ثم الظاهر من قوله تعالى: * (قل الأنفال لله والرسول) * - وما يعظهم الله به بعد هذه الجملة ويحرضهم على الإيمان - هو أن الله سبحانه فصل الخصومة بتشريع ملكها لنفسه ولرسوله ونزعها من أيديهم، وهو يستدعي أن يكون تخاصمهم من جهة دعوى طائفة منهم أن الأنفال لها خاصة دون غيرها، أو أنها تختص بشئ منها، وإنكار الطائفة الأخرى ذلك، ففصل الله سبحانه خصومتهم فيها بسلب ملكهم منها وإثبات ملك نفسه ورسوله، وموعظتهم أن يكفوا عن المخاصمة والمشاجرة، وأما قول من يقول: إن الغزاة يملكون ما أخذوه من الغنيمة بالإجماع فأحرى به أن يورد في الفقه دون التفسير.
وبالجملة: فنزاعهم في الأنفال يكشف عن سابق عهد لهم بأن الغنيمة لهم أو ما في معناه، غير أنه كان حكما مجملا اختلف فيه المتخاصمان وكل يجر النار إلى قرصته، والآيات الكريمة تؤيد ذلك.
توضيحه: أن ارتباط الآيات في السورة والتصريح بقصة وقعة بدر فيها يكشف أن السورة بأجمعها نزلت حول وقعة بدر وبعيدها، حتى أن ابن عباس - على ما نقل عنه - كان يسميها سورة بدر، والتي تتعرض لأمر الغنيمة من آياتها خمس آيات في مواضع ثلاثة من السورة، هي بحسب ترتيب السورة: قوله تعالى: * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول...) * الآية، وقوله تعالى: * (واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير) *، وقوله تعالى: * (ما