على ذلك عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة فقال: لحم حمار وحش كما وقع في الرواية الأخيرة وبين الحميدي أنه كان يقول حمار وحش، ثم صار يقول: لحم حمار وحش، فدل على اضطرابه فيه. قال في الفتح: وقد توبع على قوله لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال ثم ساقها، ولكنه يقوي ما رواه ابن عيينة حديث ابن عباس المذكور في الباب، وقد أخرج مسلم من وجه آخر عن ابن عباس أن الذي أهداه الصعب بن جثامة لحم حمار، وأخرجه مسلم أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد فقال تارة: حمار وحش، وتارة شق حمار. قوله: بالأبواء بفتح الهمزة وسكون الموحدة، وبالمد جبل من أعمال الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة قيل: سمي بالأبواء لوبائه، وقيل: لأن السيول تتبوءه أي تحله.
قوله: أو بودان شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال آخره نون موضع بقرب الجحفة. قوله: فرده اتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه كما قال الحافظ، إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية:
أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال البيهقي: إن كان هذا محفوظا حمل على أنه رد الحي وقبل اللحم. قال الحافظ: وفي هذا الجمع نظر، فإن الطرق كلها محفوظة، فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله، ورد اللحم تارة لذلك وقبله أخرى حيث لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي في الام: إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حتى، وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون قد علم أنه صيد له انتهى. ويحتمل أن يكون القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية في وقت آخر وهو وقتر جوعه صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة. قال القرطبي: يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقدمه له، فمن قال: أهدي حمارا أراد بتمامه مذبوحا لا حيا، ومن قال: لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا، ويحتمل أنه أهداه له حيا، فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات. قوله: إنا لم نرده عليك قال في الفتح: قال القاضي عياض: ضبطناه في الروايات بفتح الدال، وأبى ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا: