التفرق بالأقوال على معناه المجازي، ومن الأدلة الدالة على إرادة التفرق بالأبدان قوله في حديث ابن عمر المذكور: ما لم يتفرقا وكانا جميعا وكذلك قوله: وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع، فإن فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن. قال الخطابي: وعلى هذا وجدنا أمر الناس في عرف اللغة وظاهر الكلام، فإذا قيل: تفرق الناس كان المفهوم منه التميز بالأبدان، قال: ولو كان المراد تفرق الأقوال كما يقول أهل الرأي لخلا الحديث عن الفائدة وسقط معناه، وذلك أن العلم محيط بأن المشتري ما لم يوجد منه قبول المبيع فهو بالخيار، وكذلك البائع خياره في ملكه ثابت قبل أن يعقد البيع، وهذا من العلم العام الذي استقر بيانه، قال: وثبت أن المتابعين هما المتعاقدان، والبيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين، ولا يقع حقيقة إلا بعد حصول الفعل منهم كقولهم: زان وسارق، وإذا كان كذلك فقد صح أن المتبايعين هما المتعاقدان، وليس بعد العقد تفرق إلا التميز بالأبدان انتهى. فتقرر أن المراد بالتفرق المذكور في الباب تفرق الأبدان، وبهذا تمسك من أثبت خيار المجلس وهم جماعة من الصحابة منهم على صلوات الله عليه، وأبو برزة الأسلمي وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم، ومن التابعين شريح والشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة، نقل ذلك عنهم البخاري. ونقل ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة. وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم، وبالغ ابن حزم فقال: لا يعرف لهم مخالف من التابعين إلا النخعي وحده ورواية مكذوبة عن شريح، والصحيح عنه القول به ومن أهل البيت بالباقر والصادق وزين العابدين وأحمد بن عيسى والناصر والامام يحيى، نقل ذلك عنهم صاحب البحر. وحكاه أيضا عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وذهبت المالكية إلا ابن حبيب والحنفية كلهم وإبراهيم النخعي إلى أنها إذا وجبت الصفقة فلا خيار، وحكاه صاحب البحر عن الثوري والليث والامامية وزيد بن علي والقاسمية والعنبري. قال ابن حزم: لا نعلم لهم سلفا إلا إبراهيم وحده، وهذا الخلاف إنما هو بعد التفرق بالأقوال، وأما قبله فالخيار ثابت إجماعا كما في البحر. ولأهل القول الآخر أجوبة عن الأحاديث القاضية بثبوت خيار المجلس، فمنهم من رده لكونه معارضا لما هو أقوى منه نحو قوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * (سورة البقرة، الآية: 282) قالوا: ولو ثبت خيار المجلس لكانت الآية غير مفيدة لأن الاشهاد
(٢٩١)