الكلام، لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال:
لا يلبس كذا، أي ويلبس ما سواه. قال البيضاوي: سئل عما يلبس فأجاب بما ليس يلبس، ليدل بالالزام من طريق المفهوم على ما يجوز، وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس، لأنه الحكم العارض في الاحرام المحتاج إلى بيانه، إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب، وكان اللائق السؤال عما لا يلبس.
وقال غيره: هذا شبه الأسلوب الحكيم ويقرب منه قوله تعالى: * (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم) * (سورة البقرة، الآية: 215) الخ، فعدل عن جنس المنفق وهو المسؤول عنه إلى جنس المنفق عليه لأنه الأهم. قال ابن دقيق العيد: يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل به المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة، ولا يشترط المطابقة انتهى. وهذا كله مبني على الرواية التي فيها السؤال عن اللبس، وأما على رواية الدارقطني المذكورة فليس من الأسلوب الحكيم، وقد رواها كذلك أبو عوانة. قال في الفتح: وهي شاذة. وأخرجه أحمد وأبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما بلفظ. أن رجلا قال: يا رسول الله ما يجتنب المحرم من الثياب؟ وأخرجه أيضا أحمد بلفظ: ما يترك وقد أجمعوا على أن هذا مختص بالرجل فلا يلحق به المرأة. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ذلك، وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس، وسيأتي الكلام على ذلك. وقوله: لا يلبس بالرفع على الخبر الذي في معنى النهي، وروي بالجزم على النهي. قال عياض: أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وقد نبه بالقميص على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على غيره، وبالخفاف على كل ساتر.
قوله: ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران الورس بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به. قال ابن العربي: ليس الورس من الطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملايمة الشم، فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب، وظاهر قوله: مسه تحريم ما صبغ كله أو بعضه، ولكنه لا بد عند الجمهور من أن يكون للمصبوغ رائحة، فإن ذهبت جاز لبسه خلافا لمالك. قوله: إلا أن لا يجد النعلين في لفظ للبخاري زيادة حسنة بها يرتبط ذكر النعلين بما قبلهما وهي وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين