رشد في بداية المجتهد وغيرهم، وقد سبق صاحب ضوء النهار إلى هذا المذهب ابن المنذر، ولكنه لم يخصص بعض الطعام دون بعض بل سوى بين الجزاف وغيره، ونفي اعتبار القبض عن غير الطعام وقد حكى ابن القيم في بدائع الفوائد عن أصحاب مالك كقول ابن المنذر: ويكفي في رد هذا المذهب حديث حكيم فإنه يشمل بعمومه غير الطعام، وحديث زيد بن ثابت فإنه مصرح بالنهي في السلع، وقد استدل من خصص هذا الحكم بالطعام بما في البخاري من حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى من عمر بكرا كان ابنه راكبا عليه وهبه لابنه قبل قبضه ويجاب عن هذا بأنه خارج عن محل النزاع، لأن البيع معاوضة بعوض، وكذلك الهبة إذا كانت بعوض، وهذه الهبة الواقعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست على عوض، وغاية ما في الحديث جواز التصرف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عوض، ولا يصح الالحاق للبيع وسائر التصرفات بذلك، لأنه مع كونه فاسد الاعتبار قياس مع الفارق، وأيضا قد تقرر في الأصول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر الأمة أو نهاها أمرا أو نهيا خاصا بها ثم فعل ما يخالف ذلك ولم يقم دليل يدل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه كان مختصا به، لأن هذا الامر أو النهي الخاصين بالأمة في مسألة مخصوصة هما أخص من أدلة التأسي العامة مطلقا فيبنى العام على الخاص وذهب بعض المتأخرين إلى تخصيص التصرف الذي نهى عنه قبل القبض بالبيع دون غيره. قال: فلا يحل البيع ويحل غيره من التصرفات، وأراد بذلك الجمع بين أحاديث الباب وحديث شرائه صلى الله عليه وآله وسلم للبكر، ولكنه يعكر عليه أن ذلك يستلزم إلحاق جميع التصرفات التي بعوض وبغير بعوض بالهبة بغير عوض وهو إلحاق مع الفارق، وأيضا إلحاقها بالهبة المذكورة دون البيع الذي وردت بمنعه الأحاديث تحكم، والأولى الجمع بإلحاق التصرفات بعوض بالبيع، فيكون فعلها قبل القبض غير جائز، وإلحاق التصرفات التي لا عوض فيها بالهبة المذكورة وهذا هو الراجح، ولا يشكل عليه ما قدمنا من أن ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن ذلك إنما هو على طريق التنزل مع ذلك القائل بعد فرض أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب، وقد عرفت أنه لا مخالفة فلا اختصاص، ويشهد لما ذهبنا إليه إجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض، ويشهد له أيضا
(٢٥٨)