على العموم، وسواء كان بأجرة أم لا وروي عن البخاري أنه حمل النهي على البيع بأجرة لا بغير أجرة فإنه من باب النصيحة. وروي عن عطاء ومجاهد وأبي حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا وتمسكوا بأحاديث النصيحة. وروي مثل ذلك عن الهادي وقالوا: إن أحاديث الباب منسوخة، واستظهروا على الجواز بالقياس على توكيل البادي للحاضر فإنه جائز، ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث الباب (فأن قيل) إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب بينها عموم وخصوص من وجه لأن بيع الحاضر للبادي قد يكون على غير وجه النصيحة، فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج، كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين، فيقال: المراد بيع الحاضر للبادي الذي جعلناه أخص مطلقا هو البيع الشرعي بيع المسلم للمسلم الذي بينه الشارع للأمة، وليس بيع الغش والخدع داخلا في مسمى هذا البيع الشرعي، كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعا، فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعا شرعيا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين، لأن ذلك ليس هو البيع الشرعي، ويجاب عن دعوى النسخ بأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ ولم ينقل ذلك. وعن القياس بأنه فاسد الاعتبار لمصادمته النص على أن أحاديث الباب أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقا فيبنى العام على الخاص (واعلم) أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي كذلك لا يجوز أن يشتري له، وبه قال ابن سيرين والنخعي. وعن مالك روايتان، ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك أنه قال: كان يقال لا بيع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا، ولكن في إسناده أبو هلال محمد بن سليم الراسبي وقد تكلم فيه غير واحد. وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال: لقيت أنس بن مالك فقلت: لا يبع حاضر لباد، أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال: نعم، قال محمد: صدق أنها كلمة جامعة، ويقوي ذلك العلة التي نبه عليها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإن ذلك يحصل بشراء من لا خبرة له بالأثمان كما يحصل ببيعه، وعلى فرض عدم ورود نص يقضي بالشراء حكمه حكم البيع فقد تقرر أن لفظ البيع يطلق على الشراء، وأنه مشترك بينهما، كما أن لفظ الشراء يطلق على البيع لكونه مشتركا بينهما،
(٢٦٥)