الضيق، وإيجاب أحدهما فيه ضيق، وأيضا لو كان الدم واجبا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلا أو ناسيا لا من كان عامدا فعليه الفدية. قال الطبري:
لم يسقط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل، إذ لو لم يجزئ لامره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضيعان غير إثم الحكم الذي يلزمه في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه، فإنه لا يأثم بتركه ناسيا أو جاهلا لكن يجب عليه الإعادة. قال: والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الاثم فقط، ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم فليكن في الجميع، وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض من تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج انتهى. وذهب بعضهم إلى تخصيص الرخصة بالناسي والجاهل دون العامد، واستدل على ذلك بقوله في حديث ابن عمرو:
فما سمعته يومئذ يسأل عن أمر ينسى أو يجهل الخ. وبقوله في رواية للشيخين من حديثه: أن رجلا قال له صلى الله عليه وآله وسلم لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، فقال: ارم ولا حرج وذهب أحمد إلى التخصيص المذكور، كما حكى ذلك عنه الأثرم، وقد قوى ذلك ابن دقيق العيد فقال ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحج بقوله: خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل: لم أشعر، فيختص هذا الحكم بهذه الحالة، وتبقى صورة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج، وأيضا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطراحه، ولا شك أن عدم الشعور مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم، فلا يجوز اطراحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه. وأما التمسك بقول الراوي: فما سئل عن شئ الخ لاشعاره بأن الترتيب مطلقا غير مراعى، فجوابه أن هذا الاخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه، فلا يبقى حجة في حال العمد، كذا في الفتح. ولا يخفاك أن السؤال له صلى الله عليه وآله وسلم وقع من جماعة كما في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره:
كان الاعراب يسألونه، ولفظ حديثه عند أبي داود قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل: يا رسول الله سعيت قبل أن