فاحذر فديتك أفلاكا تدور بما * لا ترتضيه وخف مصارع النسوب لو جاءك الملأ العلوي مبتليا * بالحرب سلم له وجد في الهرب وانزع إليه وقل يا منتهى أملي * ألست تعلم أن العز في الحجب قال الله عز وجل وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله اعلم أنه قد تقرر عند أصحاب الأفكار أن لله صفات وأسماء لها مراتب وللعبد التخلق والتحلي بها على حد مخصوص ونعت منصوص عليه وحال معين إذا تعدى ذلك العبد كان للحق منازعا واستحق الإقصاء والطرد عن القرب السعادي كما ورد في قوله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما قصمته وللعبد صفات وأسماء تليق به وقد داخله الحق في الاتصاف بها مما تحيله العقول ولكن وردت به الشرائع ووجب الايمان بها فلا يقال كيف مع إطلاقها عليه قربة وإيمانا من لم يقل بها وأنكرها فقد كفر ومرق من الإسلام ومن تأولها كان على قدم الغرور فلا نعلم نسبتها إلى الله إلا بإعلام الله وكذلك كل اسم تحلينا به من أسمائه أيضا مجهول النسبة إليه عندنا إلا أن بعلمنا الله فنعلم ذلك بإعلامه فالكل على السواء مالنا وما له فلما عين ما عين له وتحلينا به سمي ذلك مغالبة منا للحق ولما عين ما عين لنا واتصف به سمي ذلك بغالبة من الحق وموضع الجنوح إلى السلم من هذا الأمر هو أن ترد الكل إليه فما أعطانا من ذلك ولو أعطانا الكل قبلناه على جهة الإنعام واعلم أن سبب المنازعة والمغالبة أمران الاستخلاف الذي هو الإمامة والخلق على الصورة فلا بد للخليفة أن يظهر بكل صورة يظهر بها من استخلفه فلا بد من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي يطلبها العالم الذي ولاة عليه الحق سبحانه ولما اقتضى الأمر ذلك أنزل أمرا منه إليه سماه شرعا بين فيه مصارف هذه الأسماء والصفات الإلهية التي لا بد للخليفة من الظهور بها وعهد إليه بها فكل نائب في العالم فله الظهور بجميع الأسماء ومن النواب من أخذ المرتبة بنفسه من غير عهد إلهي إليه بها وقام بالعدل في الرعايا واستند إلى الحق في ذلك كملوك زماننا اليوم مع الخليفة فمنهم السمع والطاعة فيما يوافق أغراضهم وما لا يوافق فهم فيه كما هم في أصل توليتهم ابتداء ومنهم من لا يعمل بمكارم الأخلاق ولا يمشي بالعدل في رعيته فذلك هو المنازع لحدود مكارم الأخلاق والمغالب لجناب الحق في مغالبته رسل الله كفرعون صاحب موسى ع وأمثاله والحق له الاقتدار التام لكن من نعوته الإمهال والحلم والتراخي بالمؤاخذة لا الإهمال فإذا أخذ لم يفلت وزمان عمر الحياة الدنيا زمان الصلح واستدراك الفائت والجبر بمن قام بمصالح الأمور المرضية عند الله تعالى المسماة خيرا الموافقة لما نزلت بها الشرائع غير أن هذا الإمام لم يتصف بها من حيث ما شرعت ولا من حيث ما أوصى الحق بها ولكن اتصف بها لكونها مكارم أخلاق عرفية عرف الحق قدرها وأثنى على من اتصف بها كما قال ص في تاريخ ميلاده عن كسرى وهو من جملة النواب الملوك قال ولدت في زمان الملك العادل فسماه ملكا ووصفه بالعدل وإن كان فيه على غير شرع منزل فهو صفة مرعية عند الله وسماهم ملوكا وإن كان الحق ما استخلفهم بالخطاب الإلهي على الكشف لكنهم نوابه من وراء الحجاب فإذا ظهروا بصفات ما ينبغي للملك أن يظهر بها ولم يوافق بها المصارف الإلهية التي شرعها الحق بالسنة الرسل نعت ذلك بالمنازع والمغالب فهما ظهر كانت الغلبة له ومهما ظهر عليه كانت الغلبة للحق فكان الحرب سجالا له وعليه وصورة السلم موافقة الحق في المصارف من غير اتباع وهذا كله فيمن قام في الملك بنفسه وأما ولاة الحق من الرسل فليس إلا العدل المحض ولا نتصور منازعة من أولئك صلوات الله عليهم وأما الأئمة الذين استنابهم الله واستخلفهم بتقديم الرسل إياهم على القيام بما شرع في عباده من الأحكام فهم على قسمين قسم يعدلون بصورة حق ولا يتعدون ما شرع لهم والقسم الآخر قائلون بما شرع لهم غير أنهم لم يرجعوا ما دعوا إليه في المصارف التي دعاهم الحق إليها وجاروا عن الحق في ذلك وعلموا أنهم جائرون قاسطون فهم من حيث الصورة الظاهرة مغالبون ومنازعون فيمهلهم الله لعلهم يرجعون ففي زمان ذلك الإمهال تظهر الغلبة لهم على الحق المشروع الذي يرضى من استخلفهم وفي وقت تكون الغلبة للحق عليهم بإقامة منازع في مقابلته يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم وإذا
(٣)