ثم تبعث القوي الروحانية والحسية لخلق هذا الروح الجزئي المنفوخ بطريق التوحيد لأنه قال ونفخت وأما روح عيسى فهو منفوخ بالجمع والكثرة ففيه قوى جميع الأسماء والأرواح فإنه قال فنفخنا بنون الجمع فإن جبريل ع وهبه لها بشرا سويا فتجلى في صورة إنسان كامل فنفخ وهو نفخ الحق كما قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فلما تبعته هذه القوي كان منها القوة المفكرة أعطيت للإنسان لينظر بها في الآيات في الآفاق وفي نفسه ليتبين له بذلك أنه الحق واختلفت الأمزجة فلا بد أن يختلف القبول فلا بد أن يكون التفاضل في التفكر فلا بد أن يعطي النظر في كل عقل خلاف ما يعطي الآخر حتى يتميز في أمر ويشترك مع غيره في أمر فهذا سبب اختلاف المقالات فيحكم الرب بين أصحاب هذه المقالات بما يجئ به الشرع المنزل فتبقى العقول واقفة في أدلتها ورجع اختلاف نظرها في المواد الشرعية بعد ما كانت أولا ناظرة بالنظر العقلي وذلك ليس إلا للمؤمنين والمؤمنات خاصة فالواقفون مع حكم الرب في ذلك بين المتنازعين هم المؤمنون ولهم عين الفهم فاختلفوا مع الاتفاق فاختلافهم في المفهوم من هذا الذي حكم به الرب في حق الحق وهذا هو الحق الذي نصبه الشرع للعباد وبما سمي به نفسه نسميه وبما وصف به ذاته نصفه لا نزيد على ما أوصل إلينا ولا نخترع له أسماء من عندنا وأما نزاع غير المؤمنين في اختلاف عقائدهم فيكون الشارع واحدا منهم في كونه نزع في الحق منزعا لم ينزعوه لكونهم غير مؤمنين فالحاكم بينهما أعني بين الشرع والعقلاء غير المؤمنين إنما هو الله بصور التجلي به يقع الفيصل بينهما ولكن في الدار الآخرة لا هنا فإن في الدار الآخرة يظهر حكم الجبر فلا يبقى منازع هناك أصلا ويكون الملك هناك لله الواحد القهار وتذهب الدعاوي من أربابها وتبقي المؤمنون هنالك سادات الموقف على كل من في الموقف وأما النظر في مصالح الممكنات الذي لهذه الحضرة فاعلم أن الممكنات إذا نظرتها من حيث ذاتها لم يتعين لقبولها من الأطراف طرف تكون به أولى فيكون الرب ينظر بالأولوية في وجودها وعدمها وتقدمها في الوجود وتأخرها ومكانها ومكانتها ويناسب بينها وبين أزمنتها وأمكنتها وأحوالها فيعمد إلى الأصلح في حقها فيبرز ذلك الممكن فيه لأنه لا يبرزه إلا ليسبحه ويعرفه بالمعرفة التي تليق به مما في وسعه أن يقبلها ليس غير ذلك فلهذا ترى بعض الممكنات يتقدم على بعض ويتأخر ويعلو ويسفل ويتلون في أحوال ومراتب مختلفة من ولاية وعزل وصناعة وتجارة وحركة وسكون واجتماع وافتراق وما أشبه ذلك وهو تقليب ممكنات في ممكنات في غير ذلك ما تتقلب وأما العبودة التي لا تقبل العتق فهي العبودة لله فإن العبودة على ثلاثة أقسام عبودة لله وعبودة للخلق وعبودة للحال وهي العبودية فهو منسوب إلى نفسه ولا يقبل العتق من هذه الثلاثة إلا عبودة الخلق وهي على قسمين عبودة في حرية وهي عبوديتهم للأسباب فهم عبيد الأسباب وإن كانوا أحرارا وعبودية الملك وهي العبودية المعروفة في العموم التي يدخلها البيع والشراء فيدخلها العتق فيخرجه عن ملك المخلوق وبقيت الحيرة في ملك الأسباب هل يخرج من استرقاق الأسباب أم لا فمن يرى أن الأسباب حاكمة عليه ولا بد ومن المحال الخروج عنها إلا بالوهم لا في نفس الأمر قال ما يصح العتق من رق الأسباب ومن قال بالوجه الخاص وهو الذي لا اشتراك فيه قال بالعتق من رق الأسباب وعتقه معرفته بذلك الوجه الخاص فإذا عرفه خرج عن رق الأسباب وأما عبودة الله وعبودة العبودية وهي عبودة الحال فلا يصح العتق فيها جملة واحدة وأما ارتباط الحياة بالأسباب المعتادة فأظهر ما يكون فيما يقع به الغذاء لكل متغذ من الغذاء المعنوي والمحسوس فالغذاء المحسوس معلوم والغذاء المعنوي ما تتغذى به العقول وكل من حياته بالعلم كان ما كان وعلى أي طريق كان فكم من علم يحصل للعالم به من طريق الابتلاء وذلك لإقامة الحجة فيمن من شأنه الطلب وهو سار في جميع الموجودات وقد بينا ذلك في عضو البطن من مواقع النجوم ولولا التطويل بينا في هذه الحضرة ما يتعلق من الأسرار بها فلا ننبه من كل حضرة إلا على طرف منها ولهذا الاسم الرب إضافات كثيرة تجتمع في الإضافة وتفترق بحسب ما يضاف إليه فثم إضافة للعالمين ولكاف الخطاب من مفرد فوربك ومثنى من ربكما يا موسى ومجموع ربكم وإلى الآباء وإلى ضمير الغائب ربه وربهم وإلى السماء والسماوات وإلى الأرض وإلى المشرق والمغرب وإلى المشارق والمغارب وإلى الناس وإلى الفلق وإلى ضمير المتكلم فلا تجده أبدا إلا مضافا فعلمك به من
(١٩٩)