ناظرا في حكمها متئدا * عندها في كل حال يقف فانظروا فيها عليها وقفوا * وبحق الحق لا تنحرفوا تجدوا السر لديها علنا * ولذا أهل التعدي عرفوا ولهذا انتهكوا حرمتها * وادعوا أنهم قد كشفوا ظلموا أنفسهم فانحجبوا * عن مراد الله حين اعترفوا والترجي واقع حيث أتى * من كلام الله عنه فقفوا عند ما قلت به واتصفوا * بالترجي مثل ما يتصف أنه عند الذي ظن به * فالتظنوا الخير منه ولتفوا حدود الله أحكامه في أفعال المكلفين فلا يتعدى منها حد إلا لحد آخر لغير حد إلهي لا يتعداه ونفس تعديه إليه عين تعديه فيه فيحكم في الأمور بغير حكم الله لا بد من ذلك فانظر ما أعجب هذا وأحكام الله التي هي حدوده وجوب وحظر وكراهة وندب وإباحة فكل متصرف بحركة وسكون فلا بد أن يكون تصرفه في واجب أو محظور أو مندوب أو مكروه أو مباح لا يخلو من هذا فإن كان تصرفه في واجب عليه فعله بترك فقد تعدى حدود الله بتركه ما وجب عليه فعله فإن تركه على أنه ليس بواجب عليه فعله فقد تعدى في ذلك تعدى كفر ولا بد أن يحكم فيه بغير حكم الله وينتقل فيه إلى حكم آخر من حكم الله لكن في غير هذا العين فأباح ترك ما أوجب الله عليه فعله وترك ما حرم الله عليه تركه وإن قال بوجوب الترك فيما قال الشرع فيه بوجوب الفعل فهذا تعد عظيم فاحش واتباع هوى مضل عن سبيل الله فالتعدي بالفعل والترك معصية والتعدي بالاعتقاد كفر ومن قلب أحكام الله فقد كفر وخسر وثم تعد آخر لحدود الله وهو قلب الحقائق ويسمى المتعدي جاهلا وتعديه جهلا وهي الحدود الذاتية للأشياء وإنما أضيفت إلى الله لأن العلم بها إنما حصل لنا من جانب الله حيث أعطانا من القوة التي هي قوة العقل والنظر ما نصل بها إلى العلم بهذه الحدود ولأن الأمور التي نحدها ما هي بأمر زائد على ما ظهر في المظاهر المعقولة والمحسوسة وما ظهر إلا الحق وذلك الظاهر في العقل أو الحس هو الذي نحده وليس إلا الله فهي حدود الله وقد تشترك المحدودات في أمور وتتميز بأمور فما تميزت به من الفصول فهو حدها المميز لها عن الذي شاركها وما وقع به الاشتراك والتميز كله حد لها فمن تعدى هذه الحدود فقد ظلم نفسه بظلم يسمى جهلا وقلبا للحقائق وقلب الحقائق إما أن يقلبها عينها كلها وإما أن يقلبها من حيث فصولها المقومة لها وكيف ما كان فقد تعدى حدود الله وجهل فحد الخالق بما هو حد للمخلوق فقلب الأمر في عينه كله وقد حد الإنسان بالفصل المقوم للفرس فقد غلط وجهل بعضا وعلم بعضا فأولئك هم الجاهلون حقا كما هو في تعدى الأحكام أو ما جاء به الشارع إذا آمن ببعض وكفر ببعض هو الكافر حقا وغلب الكفر على الايمان فإن ذهاب الفصل المقوم من المحدود عين ذهاب ما له من نصيب الاشتراك فإن حيوانية الإنسان ما هي عين حيوانية الفرس بالنظر إلى شخصية ذلك المحدود فلهذا يذهب الكل لذهاب البعض وقد قال الله تعالى لنبيه ص ولا تكونن من الجاهلين وإني أعظك أن تكون من الجاهلين وأما قوله في هذا الذكر لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وذلك لأنا ما عرفنا من القوي الموجودة في الإنسان إلا قدر ما أوجد فيه وربما في علم الله عنده أو في الإمكان قوى لم يوجدها الله تعالى فينا اليوم حتى لو قيل للفرس عن القوة التي تميز بها الإنسان عنه أنكرها وفي طريق الله ما يقوله أهل الطريق في إثبات المقام الذي فوق طور العقل وهي قوة يوجدها الله في بعض عباده من رسول ونبي وولي تعطي خلاف ما أعطته قوة العقل حتى إن بعض العقلاء أنكر ذلك والشرع أثبته ونحن نعلم أن في نشأة الآخرة قوى لا تكون في نشأة الدنيا ولا يحكم بها عقل هنا ولا تنال إلا بالذوق عند من أوجدها الله فيه وتحصل لبعض الناس هنا فلا تعلم نفس ما أخفي لها فيها من قرة أعين وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فخرج عن طور العقل بتعيين أمر ما وما خرج عن طور العقل بالإمكان إذ لا حكم للعقل فيما يعنيه الله من الأمور إلا الإمكان خاصة أو
(١٦٨)