ثم بناء على الأول ما الدليل على صحتها ونحن في الدورة السابقة بينا على أنها داخلة في عنوان الصلح لأنها بمعنى التسالم والاتفاق على أمر؟ وهذا العنوان لا يشترط أن يكون منشأ بلفظ (صالحت أو تسالمنا على كذا)، بل يكفي كل لفظ أو فعل يدل عليه ولو بالالتزام، كما ورد في صلح الشريكين بقولهما: (لك ما عندك ولي ما عندي) (١). إلا أن الأقوى عدم دخولها تحت عنوان الصلح ولو بناء على تحققه بكل فعل أو لفظ يكون دالا عليه، لأن مجرد الاتفاق على أمر لا يوجب دخوله في عنوان الصلح، وإلا كان البيع والإجارة ونحوهما أيضا داخلا فيه، بل لا بد إما أن ينشأ عنوان الصلح بقولهما: (صالحت) و (قبلت)، أو بما يكشف عنه بالدلالة السياقية كما في صلح الشريكين، فإنهما بعد نزاعهما لو تسالما على أمر وقال أحدهما: (لك ما عندك ولي ما عندي) وقال الآخر كذلك أو: (قبلت) فمن سوق كلامهما يستكشف أنهما في مقام التسالم.
وأما في المقام - وهي الإباحة بالعوض - فلا دلالة لفظية أو فعلية على إنشاء العنوان، ولا سياقية، فكيف يقال: إنها صلح؟
ثم إنه لا يمكن التمسك لصحتها بقوله عز من قائل: ﴿أوفوا بالعقود﴾ (٢)، ولا بقوله: ﴿تجارة عن تراض﴾ (3).
أما الأول: فلأنها إذا وقعت بالفعل فلا تكون عقدا، وإن وقعت بالقول فلا تكون من العهود المتعارفة حتى يكون قوله سبحانه إمضاء لها.
وأما الثاني: فلأن التجارة وإن كانت مطلق التكسب إلا أنه لا بد أن يكون التكسب من الطرفين، والمباح له لم يكتسب ملكا، ومطلق استيفاء المنافع ليس تكسبا، فتأمل.
نعم، قد تقدم: (4) أنه يمكن التمسك لصحته بعموم قوله عليه السلام: (الناس مسلطون على أموالهم)، (5) لأن هذه القاعدة وإن لم تجر في ناحية الأسباب ولا