السيرة دليلا على ترتب ما يترتب على ملازم الفعل، لا أن تكون دليلا على أصل صحة المعاملة الفعلية، فبعد جريان العادة يدخل الفعل بالملازمة في أحد العناوين، ويصح الاستدلال له بما يستدل به للعناوين، نظير القول، فإنه قد ينشأ به أحد العناوين مطابقة، وقد ينشأ به أحدها التزاما.
ووجه اعتبار كون الفعل مصداقا لها أو مصداقا لملازمها ما أشرنا إليه سابقا من أن مجرد قصد عنوان ووقوع الفعل عقيبه لا يؤثر في تحقق هذا العنوان إذا لم يكن الفعل آلة لايجاده أو إيجاد ملازمه.
والثانية: أن الفعل إذا كان مصداقا لعنوان خاص فلا إشكال في تحقق هذا العنوان بإيجاده مع القصد، وأما إذا كان مشتركا وكان ذا وجوه فتعين أحد العناوين دون غيره إنما هو بالقرائن المكتنفة به. والقرينة في باب الأفعال ليست مما ينشأ بها جزء المعنى حتى يقال: إن المنشآت في باب المعاملات معان بسيطة لا يمكن إنشاؤها تدريجا، وليست لها أجناس وفصول، لأن القرينة موجبة لتعين وجه الفعل، فينشأ التمليك - مثلا - بالفعل وحده.
وبالجملة: وإن قلنا: بأنه لا يمكن إنشاء العقود بالمشترك المعنوي ولا بالمشترك اللفظي إلا أنه لا يمكن قياس الفعل باللفظ، لأن القول في المشترك المعنوي وضع لمعنى جامع، وفي المشترك اللفظي كل معنى مستقلا، فإيجاد المعنى المشترك بالقول المفيد لمعنى عام إيجاد للجنس، واللفظ الدال على الخصوصيات إيجاد للفصل، فيوجد المقصود بتعدد الدال والمدلول، وهكذا إيجاده باللفظ الذي لا يستفاد منه معنى إلا بالقرينة كالمشترك اللفظي إيجاد للمقصود بلفظين، وهذا وإن لم يخل عن المناقشة - كما سيجئ إن شاء الله من أنه لا مانع من إيجاد أحد العناوين بالمشترك لفظا بين عناوين متعددة - إلا أن هذا الإشكال لا يرد في الفعل، لأن وجه الفعل ليس بمنزلة القرينة لينشأ بهما شيئا غير ما ينشأ بذي القرينة، بل ينشأ العنوان بنفس الفعل الموجه، فإذا كان المعطي في مقام البيع فينشأ البيع بنفس الفعل،