أما بالنسبة إلى الأقل، فهو لكونه إما واجبا في نفسه، أو لكونه واجبا في غيره.
وأما بالنسبة إلى الأكثر، فلأن تنجز الأقل بذلك العلم التفصيلي يستتبع تنجز الأكثر، ولو صح جريان البراءة العقلية بالنسبة إلى الأكثر، لصح بالنسبة إلى الأقل، فيلزم جواز المخالفة القطعية، فيعلم عدم جوازها مطلقا.
وربما يتخيل: أن البراءة العقلية عن الأكثر تجري، لأن العلم التفصيلي بوجوب الأقل فرع فعلية التكليف في ناحية الأكثر، دون تنجزه (1).
وفيه: أن العقل إذا كان يرى ويدرك ذلك التفرع، فيرى ويدرك تمامية الحجة بالنسبة إلى الأكثر أيضا.
نعم، الشرع ربما يفكك بين الأمرين، كما في الصلاتين المترتبتين المعلوم بطلان إحداهما، وكان الترتيب شرطا واقعيا، فإنه يعلم تفصيلا ببطلان الثانية، ولا يعقل صحة الأولى واقعا، للزوم الشك في بطلان الثانية، ولكن تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الأولى حسب الظاهر، لإمكان الالتزام به. ولولا القاعدة كان الأمر الأول أيضا منجزا، لأن العلم التفصيلي ببطلان الثانية محقق على تقدير بطلان الأولى، فكيف تجري البراءة العقلية بالنسبة إلى الأولى؟!
وغير خفي: أن المهم حل هذه المشكلة على القول بوجوب المقدمة وجوبا من غير سنخ وجوب ذي المقدمة، وإلا فهو تصديق على المبنى، ولذا نجد أن كثيرا من الأعلام (2) - ومنهم الوالد - مد ظله (3) - مذعنون بالمشكلة على المبنى.