وان شئت قلت إن ما هو الموضوع في دائرة التشريع هو عنوان المؤمنين، أو الناس فلو قال يا أيها الناس اجتنبوا عن الخمر، أو يجب عليكم الفعل الكذائي فليس الموضوع الا الناس، أعم من العاجز والقادر، والجاهل والعالم، ولأجل ذلك يكون الحكم فعليا في حق الجميع، غير أن العجز والجهل عذر عقلي عن تنجز التكليف والملاك بصحة هذا الخطاب وعدم استهجانه هو صلوحه لبعث عدد معتد به من المكلفين فالاستهجان بالنسبة إلى الخطاب العام انما يلزم لو علم المتكلم لعدم تأثر ذلك الخطاب العام في كل المكلفين واما مع احتمال التأثير في عدد معتد به غير مضبوط تحت عنوان خاص فلا محيص عن الخطاب العمومي ولا استهجان فيه أصلا كما أن الامر كذلك في القوانين العرفية العامة وبما ذكرنا يظهر الكلام في الخارج عن محل الابتلاء.
و (القول) بان خطاب العاجز والجاهل وغير المبتلى بمورد التكليف قبيح أو غير ممكن (صحيح) لو كان الخطاب شخصيا، واما إذا كان بصورة التقنين، فيكفي في خطاب الجميع، كون عدد معتد به من المكلفين واجدا لما ذكرنا من الشرائط واما الفاقد لها فهو معذور عقلا مع فعلية التكليف كالعجز والجهل، وبالجملة: ليس هنا الا إرادة واحدة تشريعية متعلقة بخطاب واحد وليس الموضوع الا أحد العناوين العامة، من دون ان يقيد بقيد أصلا، والخطاب بما هو خطاب وحداني متعلق لعنوان عام حجة على الجميع والملاك في صحة الخطاب ما عرفت، والحكم فعلى مطلقا من دون ان يصير الحكم فعليا تارة وانشائيا أخرى، أو مريدا في حالة وغير مريد في حالة أخرى، وما أوضحناه هو حال القوانين الدارجة في العالم والاسلام لم يتخذ مسلكا غيرها، ولم يطرق بابا سوى ما طرقه العقلاء من الناس، وسيوافيك مفاسد الخطاب الشخصي.
لا يقال: ما معنى الحكم المشترك فيه الناس، وما معنى كون كل واحد منا مكلفا بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة، وظاهر هذا تعدد الخطاب وكثرة التكليف، فلا يعقل كثرة التكاليف مع وحدة الخطاب، وان شئت قلت إن الخطابات الشرعية منحلة بعدد نفوس المكلفين، ولا يكاد يخفى ان الخطاب المنحل المتوجه إلى غير