نفسي على كل تقدير، فلا بد من العلم بالفراغ، وهو لا يحصل إلا بالزائد وإن قلنا: إنه واجب ملون بلون آخر غير النفسية، فالعلم الاجمالي لا ينحل، فيلزم الأكثر فتدبر.
لا يقال: لا مجرى للقاعدة المشار إليها في مورد الشك في الفراغ المسبب عن الشك في الاشتغال، ضرورة أنه بعد درك العقل في الرتبة السابقة عدم الاشتغال، فالشك الناشئ عنه ليس مجرى القاعدة.
لأنا نقول: هذا ما في كلام العلامة الأراكي (رحمه الله) (1) إلا أنه يندفع: بأن الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة الشرعية دون العقلية، ضرورة أن شأن العقل درك عدم الاستحقاق من ناحية ترك الأكثر، ويدرك الاستحقاق عند ترك الأقل، فإذا كان يدرك عدم تحقق الأقل إلا بالأكثر في صورة وجوب الأكثر، فيدرك لزوم الأكثر، فالفرار من المعلوم بالتفصيل غير معقول إلا بامتثال ما هو المعلوم بالتفصيل، وهو الأقل المأتي به في ضمن الأكثر.
ففرق بين درك لزوم الأكثر، كي ينافي دركه البراءة منه، وبين دركه لزوم الأقل منضما مع الأكثر، كي يعلم بسقوط الأمر المعلوم المتوجه إلى الأقل. ومما ذكرنا يظهر مواضع الخلل في كلمات القوم حول المناقشة في هذا التقريب (2).
والذي هو الأصل في الخدشة، أن قاعدة الاشتغال اليقيني مصبها الأمور المضمونة على الانسان، والمعتبرة في الذمة كالديون، فإنه باعتبار ثبوتها في الذمة يحتاج إلى العلم بالسقوط، وأما باب التكاليف التي لا تتجاوز عن البعث والزجر وحدود الحجة القائمة عليهما، فهو خارج عنها.
ولعمري، إنه كثيرا ما يقع الخلط، ويقولون بالاشتغال في مواضع البراءة غفلة عن حقيقة الحال.