فإنا لسنا بصدد إثبات وجوب الجزء شرعا، بل نفس بقاء الوجوب على الصلاة تعبدا بأصل محرز، يكون بيانا عقلا على الجزء، فلا تجري البراءة العقلية بالضرورة، ويكون مقتضى الأصل الشرعي واردا وبيانا واقعيا للأصل العقلي.
وأما حكومته على البراءة الشرعية، فلأن مجرد كون الشك في بقاء وجوب الصلاة، ناشئا عن الشك في وجوب الأكثر لا يكفي، لتقدم الأصل الجاري في السبب على الأصل الجاري في المسبب، كما هو كذلك إذا كان المسبب مجرى الأمارة الشرعية.
وأيضا: هو كذلك إذا كان الأصل الجاري في المسبب محرزا، وذلك لأن حقيقة إحراز وجوب الصلاة تعبدا وحقيقة وتنجز الحكم السابق في ظرف الشك، هو تنجز الحكم المشكوك فيه، وهو حكم الجزء.
مع أن لازم الحكم إذا كان حكما يترتب على المستصحب، لا يعد من الأصل المثبت، فإذا كان لازم الاستصحاب في مورد حجة فهو مقدم على البراءة بعين ما يقدم نفس الملزوم المستصحب.
هذا إن لم نقل: إن موضوع الأدلة النقلية والبراءة الشرعية، هو الشك الذي لا تقم عليه الحجة الأعم من العقلية والشرعية، كما أقره المحقق الوالد - مد ظله - (1)، وإلا فالاستصحاب وارد على البراءة الشرعية أيضا، لأن غايتها هي الحجة، والاستصحاب حجة في الملزوم واللازم.
فبالجملة: ولو قلنا بأن مفاد البراءة الشرعية تقييد الأدلة الواقعية وبحكم الاستثناء وحتى في فقرة " ما لا يعلمون " (2) كما هو الأظهر من غير لزوم الدور