حين أكل الميتة عن إكراه واضطرار، محرم وباق على تحريمه.
وهذا أيضا جواب آخر بالنسبة إلى وجوب رد المثل والقيمة، ووجوب الجبران فيما إذا اضطر إلى إتلاف مال الغير، أو اضطر إلى إصلاح داره المنجر إلى فساد جدار دار جاره، فإن رفع الضمان بما هو هو لا سعة فيه، وبالنسبة إلى الحكم التكليفي المترتب عليه ليس مكرها، ولا مضطرا، وهكذا بالنسبة إلى الغسل الواجب الشرطي، أو البقاء على الوضوء الواجب الشرطي.
إن قلت: يجوز رفع الحكم الوضعي بنفسه، لما فيه السعة باعتبار التكليف والضيق الآتي من قبله.
قلت: ليس هذا الرفع شأن الحديث، لأنه جاء للتوسعة على المكره والمضطر بالنسبة إلى ما استكره عليه واضطر إليه، لا غيره، ولا مكره ولا مضطر إلا بالنسبة إلى أكل النجس والميتة، فما هو مورد الاضطرار فيه السعة، ولا سعة في رفع الحكم الوضعي إلا باعتبار أمر آخر. وبعبارة أخرى الحديث فيه المنة والسعة بالنسبة، لا على الاطلاق.
وإن شئت قلت: المكره والمضطر إلى أكل النجس مثلا، وإن كان متعلق الإكراه والاضطرار هو أكل الميتة أولا وبالذات، ولكنه ينتهي إلى الاضطرار إلى العصيان ومخالفة المولى، وهذا الاضطرار الأخير يوجب الرفع، دون الاضطرار الأول.
وبعبارة أخرى: تارة يكره على أكل الميتة، فلا يرفع به إلا حرمة أكل الميتة، وأخرى: يكره على أكل النجس، فهو في الحقيقة راجع إلى الإكراه على العصيان، وهكذا في جانب الاضطرار، فلا يرفع بمثله حكم النجس، إلا أنه معذور بحكم العقل، لأن العصيان ليس بسوء الاختيار وإن كان بالاختيار، وما هو الموجب للاستحقاق ولصحة العقوبة هو الأول، فاغتنم.