البراءة جاءت لمجرد الجريان في موارد لو لم تجئ ما كانت إليها الحاجة.
ودعوى: أن هذه اللغوية غير اللغوية المشار إليها، وتكون نظير اللغوية بالنسبة إلى أدلة الشكوك في صورة عدم تحقق موضوعها، فإنه بالضرورة يجوز التوسل إلى أن لا يشك أحد في الصلاة، غير تامة، فإن انتفاء الشك في مورد جريان أدلة الشكوك في الصلاة تكوينا جائز، وأما ضرب قانون حاكم على قانون آخر دائما، فغير جائز.
هذا مع أن أدلة الشكوك من القضايا الشرطية، أي " من شك في كذا فعليه كذا " بخلاف ما نحن فيه، فتدبر.
والذي هو الحق: أن المشكلة على ما هو المبنى منحلة، فإن استصحاب عدم الجعل وعدم الحرمة والوجوب، غير جار عندنا، كما سيظهر تحقيقه في الأصول (1)، والأصول العدمية الأزلية في الشبهات الموضوعية، أيضا نمنع جريانها، فلا تلزم اللغوية، فهذا إشكال متوجه إلى غيرنا، وعليه حله، وربما يؤيدنا ذلك، كما هو الواضح.
ولو تعمقنا ووجدنا موردا للبراءة دون الاستصحاب، فإنه لا يكفي للفرار من اللغوية بالضرورة، نظير ما إذا كان الاستصحاب معارضا بالاستصحاب الآخر، مع أنه وإن جرت البراءة، إلا أنها أيضا تعارض بمثلها، كما لا يخفى.
وما مر من جريان استصحاب عدم الجعل عندهم واضح، من غير فرق بين الأحكام التكليفية والوضعية، فلو شك في الجزئية والشرطية والمانعية، تجري استصحابات نافية لكل واحد منها، وفيما إذا شك في مانعية موجود، يكون له المنشأ، ويجري استصحاب العدم الأزلي، أو النعتي، أو الوجودي الرافع للشك السببي، فليتدبر، واغتنم.