وبها يجمع بين كل من النصوص المتقدمة الآمرة بالقصر أو الاتمام بحمل الأمر الأول على الرخصة، ويكون المراد من النهي عن التمام فيها: إلا بنية الإقامة: النهي عنه بقصد الوجوب، يعني: لا يكون واجبا إلا بها. والأمر الثاني على الفضيلة.
وأما حمله على صورة قصد الإقامة، وكذا ما قدمناه من النصوص على التخيير مع أفضلية التمام - كما عليه الصدوق - فبعيد في الغاية، سيما فيما دل منها على الأمر بالتمام بمجرد المرور أو الدخول ولو صلاة واحدة، فإنها ناصة في صورة غير قصد الإقامة. وكذا حمله على التقية وإن أشعر به الصحيحان المتقدمان سندا للصدوق، لأن إيجاب التمام على ما هو مقتضى الأمر ليس مذهبا لأحد من العامة، لأنهم ما بين موجب للقصر مطلقا، وهم أكثرهم، ومنهم. أبو حنيفة. ومخير بينه وبين القصر كذلك، وهو الشافعي وغيره. ومنه يظهر: أن حمل أوامر التقصير على التقية أولى كما صرح به جماعة من أصحابنا، لاتفاقهم على جواز القصر، مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما وحديثا فتأمل.
وأما الصحيحان. فالظاهر منهما - بعد ضم أحدهما إلى الآخر: أن الأمر بالاتمام إنها هو بعد مضي خمسة أيام لا مطلقا، ولا ريب أنه للتقية، فإن الاكتفاء بها في أيام الإقامة وهو مذهب الشافعي، وهو لا يجري في الأخبار الآمرة بالتمام ولو في يوم الورود من غير الإقامة، ومع ذلك فهما معارضان بما دل على أن الأمر بالتمام ليس للتقية، وأنه مخالف للعامة، وهو الصحيح: قلت لأبي الحسن - عليه السلام -: إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين، وذلك من أجل الناس، قال: لا، كنت أنا وآبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس (1).
هذا، ولكن يستفاد من جملة من النصوص: اشتهار التقصير ما لم ينو المقام